الأولويات الفلسطينية في التصدي للحرمان التعليمي

الأولويات الفلسطينية في التصدي للحرمان التعليمي

أمد/ لم يعد يخفى على احد ان سياسات التهجير والتجهيل والتجويع وهندسة السكان من الاهداف المعلنة للحرب على قطاع غزة
بالتزامن مع استهداف البنية التحتية المادية والاقتصادية والاجتماعية ومنظومة الخدمات وانهيار الجبهة الداخلية على مدار اكثر من 600 يوم على هذه الابادة.

انقضى العام الثاني على تعطل المنظومة التعليمية والتربوية وخروجها عن الخدمة كلياً تعرضت خلاله المؤسسات التعليمية في غزة لتدمير شبه شامل حيث أفادت وكالة الأونروا أن أكثر من 76% من المدارس تعرضت للتدمير أو أُصيبت بأضرار جسيمة وان هناك أكثر من 625,000 طالب لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس منذ أكتوبر 2023، بحسب منظمة اليونيسف، ما يشير إلى توقف شبه تام للمسيرة التعليمية.

لم تقتصر الابادة التعليمية على البنية، بل شملت الطلبة والمعلمين إذ تم قتل المئات منهم في الغارات، وتهجير عشرات الآلاف الذين تعرضوا لابادة تعليمية ممنهجة تضرر خلالها جيل كامل من الطلبة جراء هذه الحرب وباتوا من المتأخرين عن مواكبة المسيرة التعليمية حسب العديد من المنظمات الدولية والاممية التي افادت بوجود مخطط حقيقي للتجهيل العلمي والثقافي والتربوي مع زيادة كبيرة في مؤشرات وقوع الابادة التعليمية.

لم يكن قطاع التعليم يوماً قطاعاً خدمياً فحسب بل يشكل التعليم في الوعي الوطني الفلسطيني ركيزة من ركائز الهوية الوطنية كوسيلة من وسائل المقاومة غير العنيفة الأولى ضد الاحتلال كرّست الاسرة الفلسطينية نفسها لجعل التعليم أداة للنهوض والتحرر، واعتباره أولوية وواجباً مقدساً وجعلت منه واقعاً مفصلياً وتنافسياً ومحل للتفاخر والاعتزاز بالتفوق والتقدم والانجاز وهذا ما جعله مستهدفاً بشكل مباشر وتعرضه لهندسة الابادة الجماعية.

إن تداعيات استمرار الإبادة التعليمية تتجلى بحرمان أكثر من دفعة من دفعات طلبة الثانوية العامة من التقدم للامتحانات، تشمل طلبة مواليد عام 2006، 2007، وربما 2008 قريباً بعد دخولهم مربع الاستحقاق الدراسي ليشكلوا تحدياً جديداً لواقع المسيرة التعليمية في قطاع غزة.

كما تظهر مؤشرات الابادة التعليمية باستمرار اعاقة وصول الطلبة لمدارسهم ومقاعدهم الدراسية واجتيازهم الاختبارات النهائية مما يؤثر سلبا وبشكل خطير على مستوي التحصيل العلمي، وحرمانهم من اكتساب المعارف والمهارات، وتعلم القدرات وضياع الفرص المستقبلية.
إضافة إلى إضعاف النسيج المجتمعي من خلال ضرب منسوب الوعي الثقافي، وإحداث فراغ في الكوادر والكفاءات العلمية والاكاديمية المستقبلية حيث تعتبر منظمة Human Rights Watch، ان حرمان الأطفال والطلبة من التعليم في غزة “جريمة ضد الإنسانية” وتدرج في إطار “التدمير المتعمد للبنية التعليمية .

ان استمرار تأخر الحلول والخطط الناجزة التي من شأنها دفع عجلة المسيرة التعليمية نحو الاقلاع من جديد له انعكاسات وآثار خطيرة وسلبية على الطلبة والاسرة والمجتمع والبنية التحتية التعليمية ما يعزز من تمادي خطط الابادة بالتراجع في مستويات منسوب التحصيل العلمي والمعرفي والمهاراتي والثقافي والتربوي الذي يهدد مستقبل الاجيال القادمة ويلحق بهم اخطار جسيمة تتطلب علاجها سنوات طويلة طالما تركت دون حلول او خطط مواجهة منهجية فلا يمكن للشعوب ان تتقدم وتجابه المخاطر بمعزل عن ضمان سيرورة المسيرة التعليمية والتربوية ورفع كل المعيقات والتحديات التي تقف في طريقها باعتبارها من اهم ارتكازات التنمية المستدامة التي تضمن حقوق الاجيال القادمة التي لا يمكن تجاهلها باي ظرف من الظروف حتى لو كانت بسبب ممارسات الاحتلال او تحت تأثيرات الظروف القاهرة.

وتعود اسباب تراجع فرص التوصل لخطط وحلول وبرامج لاستعادة دورة حياة المسيرة التعليمية والتربوية في مواجهة الابادة التعليمية الى غياب العلاقة التنسيقية والتشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص وقطاع المجتمع المدني مع المؤسسات الدولية من جهة والفصائل الفلسطينية باختلافها من جهة اخرى والذي حال دون ولادة رؤية مشتركة ممكنة وواقعية في مواجهة الابادة التعليمية..

نعم تستحق هذه الاجيال التضحية من اجلها ووضعها في سلم الاولويات الوطنية ونجنبهم قدر المستطاع الاثار المدمرة للابادة التعليمية من خلال ادارة معركة البقاء والصمود والمواجهة.

خلاصة القول نحن مطالبين اليوم اكثر من اي وقت مضي لاعادة ترتيب الاولويات الداخلية الفلسطينية التي قد تتطلب طرح افكار ممكنة وشجاعة واكثر واقعية تمكننا من ايجاد فرصة نجاة للعملية التعليمية لتكون خياراً فلسطينياً اولاً قبل ان يكون مطلباً دولياً على ان يتم ذلك عبر التوجه لعقد صفقة خاصة بانقاذ المسيرة التعليمية ( هدنة – هدنة تعليمية) تأسس لوقف الحرب لمدة اسبوعين او اكثر تضمن فيها الاطراف المعنية وذات الاختصاص من وضع خطة وطنية عامة يشارك فيها القطاع العام والخاص والمجتمع المدني والقوى الاهلية والمجتمعية تمكن طلبة الثانوية العامة من الالتحاق بمقاعد الدراسة لاجتياز الاختبارات النهائية بالتنسيق مع المنظمات الدولية والعربية لانقاذ ما يمكن انقاذه وفق رؤية مشتركة تواجه مخطط الابادة التعليم

فنحن بحاجة عاجلة لعقد هدنة تربوية خاصة من أجل وقف إطلاق نار مؤقت (أسبوعين على الأقل) بوساطة دولية لتنظيم عقد امتحانات الثانوية العامة.

وهذا يتطلب الشروع فوراً بإقرار خطة طوارئ وطنية للتعليم تشمل اطلاق برنامج تعليمي طارئ (كمخيمات تعليمية تربوية والتعليم عن بعد، ومساقات واليات لتعويض الفاقد) والعمل على التعبئة العامة ورفع وعي الجمهور والطلبة حول الانخراط في خطة دفع عجلة المسيرة التعليمية قدماً واعادة تطويع موارد القطاع الخاص والمانحين والمؤسسات الدولية في استنهاض واقع خطة التعليم اضافة لامكانية تفعيل الشراكات مع اليونسكو، والأونروا، واليونيسف وضرورة تشكيل جسم تنسيقي وطني مستقل للتعليم في الأزمات يضم ممثلين عن وزارتي التربية والتعليم (غزة ورام الله)، بمشاركة الفصائل، والمجتمع المدني، ووكالات الأمم المتحدة.

هذه الاجيال تستحق توفير كل الاجراءات والعمليات والفرصة اللازمة لانجاح هذه العملية الضرورية واعادة ضخ الدماء في شريان دورة المسيرة التعليمية ووضع مستقبل الاجيال المتعاقبة علي رأس الاولويات والاهداف الوطنية العليا التي دونها يعتبر درب من دروب التيه والضياع وانحراف للبوصلة الوطنية وفشل في مواجهة سياسات الاحتلال في التجهيل والتركيع ومسح الهوية الثقافية والوطنية للاجيال المتعاقبة.

يبقي السؤال مطروحاً هل نستطيع مجتمعين ترميم ومواجهة ما تعرضت له المسيرة التعليمية والتربوية من ابادة واعادة تعبيد الطرق لاقلاعها عير ترتيب الاولويات ووضع مصلحة الانسان الفلسطيني اولاً وانقاذ ما يمكن انقاذه؟