الصراع مع إيران: الدوافع الحقيقية وآثاره في المنطقة

أمد/ يُزْعَمُ أن الحرب الإسرائيلية الأمريكية ضد إيران تهدف لمنعها من امتلاك السلاح النووي. هكذا يروّج الإعلام الغربي، وهكذا تُسوّق القضية للعالم. لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير.
فإيران حتى اليوم لا تملك قنبلة نووية، وكل منشآتها تخضع لرقابة دقيقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تتولى فرق التفتيش المتخصصة مراقبة أنشطتها، إلى جانب كاميرات مثبتة في معظم منشآتها ترصد وتوثق كل حركة فيها. لذا فإن المزاعم التي تروّج لاقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي لا تستند إلى دلائل حقيقية، بقدر ما تخدم أهدافًا سياسية وأمنية أوسع.
والحقيقة أن إيران، رغم سعيها الظاهر للوصول إلى هذه المرحلة، لا تزال بعيدة عنها تقنيًا وسياسيًا. وطريقها نحو امتلاك القنبلة النووية ما يزال طويلاً، محفوفًا بالمراقبة والعقوبات والتعقيدات الدولية. وحتى اللحظة، لم تتجاوز طهران الخطوط الحمراء التي ترسمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، فإن احتمال امتلاكها سلاحًا نوويًا في المستقبل يبقى مصدر قلق حقيقي، خاصةً لدول الجوار العربي، التي ستكون أول من يدفع الثمن، قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.
المفارقة أن هذه الذريعة نفسها استُخدمت سابقًا في تبرير الغزو الأمريكي للعراق، حين رُوّج لوجود أسلحة دمار شامل لم تُثبت أبدًا. واليوم، يبدو أن ذات السيناريو يُعاد إخراجه بطريقة مختلفة، لكن بهدف مشترك: تفكيك قوة إقليمية كبرى، وإعادة تشكيل توازنات المنطقة لصالح مشروع أكبر، تقوده واشنطن وتستفيد منه تل أبيب.
الهدف الحقيقي من هذه الحرب، إذًا، ليس فقط منع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، بل تقويض الدولة الإيرانية نفسها، وإسقاط نظامها السياسي، ودفعها نحو التفكك والانهيار. إنه مشروع يستهدف كيان الدولة، لا مجرد منشآتها.
أما الموقف العربي، فهو – كالعادة – غائب أو مشوش. بعض الدول العربية لا تنكر الضرر الذي سببته السياسات الإيرانية في المنطقة، من خلال تدخلاتها الطائفية ودعمها لميليشيات مسلحة. ومع ذلك، لم يخرج أي موقف عربي موحّد تجاه ما يجري. ما صدر لا يتجاوز بيانات شجب واستنكار، تُقال للإعلام ولا تؤثر في القرار. فمنذ غزو العراق للكويت، والعرب في تشرذم دائم، عاجزون عن بناء موقف موحّد تجاه أي تهديد إقليمي أو دولي.
في ظل هذا الضعف، تتقدم مشاريع إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بهدوء وثبات. دول تُقسم، وأخرى تُنهك من الداخل، وحدود قديمة تُمحى، وحدود جديدة تُرسم بما يخدم مصالح القوى الكبرى. ما حدث في العراق، وما يجري في سوريا وليبيا واليمن، ليس سوى محطات في مشروع طويل، يسير نحو تمكين إسرائيل من قيادة المنطقة سياسيًا وأمنيًا.
وإذا افترضنا سقوط إيران، فستكون بداية لسلسلة من الاستهدافات المتتالية، تطال دولًا عربية أخرى، واحدة تلو الأخرى. واللافت أن السقوط لا يُقابل برد فعل جماعي، بل بتشفٍّ مقيت. كلما سقط طرف، قال الآخر: “يستحق ما جرى له”. وهكذا تنهار الحصون واحدة تلو الأخرى، بصمت وتواطؤ.
ما يحدث اليوم لا علاقة له فقط بمشروع نووي، بل بصراع على هوية المنطقة ومستقبلها. دخول الولايات المتحدة رسميًا في هذه الحرب إلى جانب إسرائيل يوضح أن الهدف أبعد من تدمير منشآت أو ردع إيران. إنه صراع على من يحكم الإقليم، ومن يفرض شروطه على شعوبه.
وإن نفّذت إيران تهديداتها، مثل إغلاق مضيق هرمز أو استهداف المصالح الأمريكية في الخليج، فإن ذلك قد يؤدي إلى انفجار حرب مفتوحة، تتجاوز حدود إيران، وتدخل المنطقة كلها في أتون صراع طويل لا يمكن التنبؤ بنهايته. ومثل هذا التصعيد سيمنح واشنطن وتل أبيب المبرر الكامل لتنفيذ مشروعهما دون قيود.
في النهاية، فإن ما يحدث ليس شأنًا إيرانيًا صرفًا، بل إنذار مبكر لما قد يطال عواصم عربية أخرى في المستقبل. وأي تأخير في الوعي أو التحرك هو رهان خاسر على وهم الاستقرار. فحين تُستهدف المنطقة بأسرها، لا يعود الحياد موقفًا، بل غفلة قاتلة. والحكمة تقول: من لا يدافع عن غيره اليوم، قد لا يجد من يدافع عنه غدًا.