تحذير من مراهقة الثمانينات

أمد/ لم يكن دخول الولايات المتحدة ميدان الحرب الإسرائيلية على إيران فجر اليوم الاحد 22 حزيران / يونيو الحالي بتوقيت الشرق الأوسط، في العاشرة مساء واشنطن مفاجئا. كون الإدارة الأميركية هي مع ربيبتها إسرائيل من خططوا وأعدوا لشن الحرب فجر الجمعة 13 يونيو الحالي، وبالتالي كان انخراطها المباشر والرسمي مسألة وقت، ويدخل في نطاق التفاصيل، بعد أن لم تؤتِ الضربة الإسرائيلية الأولى أوكلها على المفاعلات النووية الإيرانية نطنز واصفهان، حيث كان التقدير الإسرائيلي الأميركي أن تتزعزع مكانة النظام الفارسي، إسوة بما حصل مع حزب الله اللبناني في تموز / يوليو 2024، رغم الاختراقات الأمنية والسيبرانية الكبيرة الإسرائيلية الأميركية في الداخل الإيراني، وانكشاف ظهر المجال الجوي بشكل كامل امام سلاح الجو الإسرائيلي، التي سيكون لها بالضرورة ارتدادات قريبا على النظام السياسي الإيراني
ووفق منشور للرئيس الأميركي ترمب على منصته “تروث سوشال” فجر أمس “أتممنا هجومنا الناجح جدا على المواقع النووية الثلاث في إيران، فوردو ونطنز واصفهان.” وأضاف: اسقطت حمولة كاملة من القنابل على موقع فوردو الرئيسي وجاء اعلان ترمب بعد 48 ساعة فقط من تصريحه إنه سيقرر “خلال أسبوعين” ما إذا كان سينضم الى الأداة الإسرائيلية في الهجوم على إيران. في تذاكي مفضوح وساذج، الذي لم ينطلِ على أحد، وكان معظم المراقبون لديهم تقدير ان التدخل مسألة ساعات، وليس أيام.
وصرح وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغيست أمس، أن الضربات الجوية التي نفذها الجيش الأميركي الليلة الماضية ضد إيران “نجحت في القضاء على القدرات النووية الإيرانية.” في استعراض للغطرسة الأميركية، التي يتمثلها الرئيس المراهق الذي اقترب من طي العقد الثامن، أكد أن العملية “جريئة ورائعة”، بحكم استهدافها ثلاث منشآت نووية محددة، ولم تستهدف القوات أو الشعب الإيراني. في ادعاء تبسيطي لمحدودية أهداف العملية المجنونة والخطيرة، وللتغطية على عدم نجاحها، وللالتفاف على الهيئات التشريعية الأميركية، باعتبارها الجهة المعنية بالتقرير بقرار الحرب والسلم. وهو ما أكده رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية أن الهدف من الهجوم لم يكن اسقاط النظام الإيراني بل ” تحييد التهديد النووي.”، مع ان وزير الدفاع رفض تقديم إجابة قاطعة حول اسقاط النظام، قائلا “من المبكر أن اجيب عن هذا السؤال.”
ودفاعا عن دور الكونغرس أكد السيناتور الديمقراطي الأميركي كريس مورفي على منصة “إكس” أمس الاحد، بالقول “الكونغرس وحده يمتلك سلطة إعلان الحرب، ويجب ان نصوت فورا على قانون يسحب بالكامل صلاحيات الرئيس ترمب خشية جر الولايات المتحدة الى صراع جديد في الشرق الأوسط” كما أشار أن المفاوضات مع طهران امتلكت مقومات النجاح قبل أن تقوضها الضربات الإسرائيلية، وأن إيران لم تشكل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة. وأردف السيناتور الديمقراطي “لقد وضع الرئيس الضعيف والمتهور بشكل خطير، الولايات المتحدة على طريق حرب في الشرق الأوسط لا تريدها البلاد، ولا يسمح بها القانون، ولا يتطلبها أمننا. وعمق مورفي تصريحه في تشخيص محدودية وعي ومعرفة الرئيس ال47 بالتاريخ بالقول “إن رئيسنا لا يعرف شيئا عن التاريخ، ويخبرنا التاريخ أن غطرسة الولايات المتحدة بشأن فعالية العمل العسكري في الشرق الأوسط خاطئة بشكل شبه عام.” وما بين الجهل بالتاريخ والغطرسة ضاعت الضوابط والمعايير الناظمة للالتزام بالدستور واستقلالية السلطات الثلاث عن بعضها، مع ان ترمب ليس رئيسا استثنائيا في هذا الحقل، فتاريخ الولايات المتحدة متخم بإشعال الحروب.
من المؤكد أن عملية “مطرقة الليل” الأميركية لم تحقق أهدافها المنشودة، كون القيادة العسكرية الإيرانية قامت بتفريغ المفاعلات النووية الثلاث من اليورانيم المخصب الى مواقع بعيدة، وهذا ما أكدته الأقمار الصناعية الأميركية التي اشارت ان 16 شاحنة تحركت من أمام المفاعلات باتجاهات مختلفة. كما ان القنابل التي القتها طائرات الB2 وصواريخ التوماهوك لم تصل الى أعماق المفاعلات النووية الإيرانية، وفق المصادر الإيرانية. الأمر الذي يشي أن القيادة الأميركية ستواصل تورطها أكثر فأكثر في الصراع الدائر في الساحة الإيرانية.
ورغم ان القيادة الإيرانية أعلنت صباح أمس بعد قصفها إسرائيل بنحو 40 صاروخا، ان عملية القصف الصاروخي تعتبر بمثابة الرد على القصف الأميركي، الا انه من المبكر التنبؤ بما تحمله تداعيات قصف المفاعلات الثلاث، خاصة وأن البرلمان الإيراني أخذ قرارا بالإجماع لإغلاق مضيق هرمز، ولهذا القرار تبعات عديدة وخطيرة على الإقليم والعالم ككل.
خلط الرئيس الثمانيني المراهق الأوراق أكثر مما هي مخلوطة، ودفع العالم الى حافة الهاوية، وضاعف من تفكك الخارطة العالمية، حتى باتت السيناريوهات كافة مفتوحة على وسعها، وهو ما يستدعي ممن رشحه لجائزة نوبل سحب الترشيح فورا، كونه لا يمت للسلام بصلة، ولأن ما ارتكبه من تصعيد خطير للوحة الصراع يعمق الأزمات في الكرة الأرضية كلها، بسبب غطرسته وتهوره وصبيانيته السياسية. وعلى القوى الأميركية الفاعلة وضع حد لغروره ولعبة الشو الإعلامي والسياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني التي تسكنه، حتى اعتقد انه يد الاله على الأرض قبل فوات الاوان.