غزة وطهران

غزة وطهران

أمد/ إن الادعاء بأن سكان القطاع فرحون بالضربات الإيرانية لإسرائيل أو أصابهم الحزن من حجم الاختراق الإسرائيلي لإيران لا يتعدى كونه مزحة سخيفة، فغزة التي أعرفها وأرى ما يصيبها في كل ثانية منذ نحو عامين لا تملك رفاهية لأي شعور إنساني غير الصراخ. صراخ الجائع من الضعف والمتألم من الجرح، صراخ الفاقد على المفقود.
غزة لم تعد تريد شيئاً سوى نفسها وأبنائها، فإيران التي لطالما تغنت بها تيارات الإسلام السياسي واليسار الإسلامي الجديد لم تغضب على مدار عامين إلا لنفسها حين طالها الأذى، أي أنها وقفت موقف المتفرج الذي يحارب عبر تغريدات الخميني على منصة إكس ليس أكثر.
واعتقادي الشخصي أن حجم الاختراق الداخلي لإيران ينذر بالخطر بسبب كم الغباء العسكري والأمني الذي تعيشه الدولة، فمنذ اغتيال رئيسهم السابق بطريقة غامضة عن طريق إسقاط طائرته واغتيال علمائهم في وضح النهار، والقضاء على رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في عقر دارهم، والضربات الأخيرة التي كشفت ثقباً معلوماتياً هائلاً تنهل منه إسرائيل قلب الدولة الإيرانية. كل هذه الأحداث لم تكن كافية لتحريك الحدس الأمني لدى منظومة الدولة الأمنية التي كانت تولي اهتمامها على قمع الخصوم وتغييب العقول بدلاً من القيام بالعمل المنوط بها لحماية الدولة من الاختراق الذي يبدو أنه نخر عظام تلك المنظومة على مدار سنوات حتى باتت إسرائيل تجيد اللعب داخل إيران أكثر من أي مكان آخر.
وبعيداً عن الحرب مع إسرائيل، أشعر حقاً بالاستغراب من التأييد الذي تحظى به إيران من عشرات المغيبين الذين يرون أنها تستحق امتلاك سلاح نووي، على الرغم مما شاهدوه بأعينهم بأن المنظومة الأمنية الإيرانية مخترقة بالكامل بالإضافة إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي الهش، فلم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال حول أحقية الجهل والاستهتار والكبت والأمراض الدينية بامتلاك سلاح نووي يمكنه أن يؤدي في يوم من الأيام إلى فناء البشرية في منطقة مكتظة بالسكان، فالأمر لا يتعلق بإسرائيل وحدها بل يتعلق أيضاً بمستقبل المنطقة التي تضج بمن تعاديهم إيران بداية من المملكة العربية السعودية وليس انتهاء بدولة الإمارات والكويت والبحرين ومصر التي تحاول أن تكون رمانة الميزان للحفاظ على الإرث الحضاري في منطقتنا العربية ومنع الانزلاق إلى مربع الفوضى الذي حاولت إيران على مدار سنوات إشاعته ونجحت في سوريا والعراق ولبنان وغزة واليمن من خلال أذرعها الغائبة عن وعي الإنسانية.
إن الحرب الإسرائيلية الإيرانية أخرجت غزة من المعادلة الإعلامية للصراع الدائر منذ عامين، وفي الوقت نفسه يحاول بعض الجهلاء الترويج إلى أن سكان القطاع يتابعون بشغف تلك الحرب وكأن رفاهية الوقت التي يمتلكونها تؤهلهم لذلك.
إن رفاهية الوقت شبه منعدمة داخل القطاع، وبصدق كبير فإن سكان القطاع ليسوا سعداء كما لم يكونوا في السابق من إيران وأفعالها وما تمثله.
وإن كان القارئ يعتقد أن هذا تنكر للدعم الإيراني، فأنا كفلسطيني أنكر تماماً حصول الشعب الفلسطيني على أي دعم من الجانب الإيراني، فإيران لم تعمر مدرسة ولم تبنِ مشفى أو حتى مسجداً ولم تصلح شارعاً أو تزرع شجرة مثمرة أو ذات ظل للسكان داخل القطاع، بل كان دعمها على الدوام موجهاً إلى حماس والمنظمات الأخرى التي تمتثل لأوامرها، وهو دعم كان ثمنه الخراب واختلال الموازين في منطقتنا، كما هي نفس النتيجة التي يعاني منها سكان إيران جراء القمع والتجهيل المتعمد والوضع الاقتصادي المتردي في ظل السعي لامتلاك سلاح نووي.
ولربما لو اهتمت إيران ببناء الإنسان والاقتصاد الداخلي بصورة حقيقية بدلاً من دعم الاضطرابات في الدول الأخرى لكانت الآن في مصاف دول العالم الأول من الناحية الاقتصادية فهي دولة تملك شعباً قابلاً للتطوير وتاريخاً حضارياً من باب الإنصاف، ولن تكون آنذاك بحاجة إلى بناء تحالفات مع جماعات مضطربة فكرياً لحمايتها وتنفيذ مصالحها، فالاقتصاد والعلم يوفران درعاً يحمي البلاد من أي اضطراب بدلاً من توفر آلاف الجواسيس بدافع من الجهل والحاجة والغضب من النظام الفاسد عقائدياً واقتصادياً.

وسوم: