عندما يتحول المعتدي إلى ضحية: كيف تبرر إسرائيل عدوانها تحت غطاء الدفاع عن النفس؟

عندما يتحول المعتدي إلى ضحية: كيف تبرر إسرائيل عدوانها تحت غطاء الدفاع عن النفس؟

أمد/ في كل مرة تشتد فيها المعركة بين إسرائيل وفلسطين أو أي طرف آخر كما يحدث اليوم بينها وبين إيران، تُردد الآلة الإعلامية الصهيونية وإعلامها المؤيد نفس الأسطوانة المشروخة: “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. وهي جملة ترددها بعض الدول الغربية، ولا تكف عن تكرارها المؤسسات الدولية، وتغض الطرف عن السياق الذي تمثل فيه إسرائيل المعتدي الأول في معظم هذه الصراعات. وكأن الواقع ليس بما يراه هؤلاء، بل بما يُفرض من خلال منظومة القيم ذات المعايير المزدوجة.
إسرائيل، التي اعتادت أن تبدأ العدوان والهجوم على فلسطين وسوريا ولبنان وغيرها من الدول العربية، تتحول في نظرهم دائمًا إلى “الضحية”، وتبقى لنفسها الحق الأوحد في الدفاع عن “وجودها”. في الوقت ذاته، يتم تجاهل حقيقة أن إسرائيل هي من تشعل هذه الحروب وتبادر في فرض الهجمات، ثم تُستغل تلك الحروب في تبرير المزيد من الممارسات العدوانية ضد شعوب المنطقة.
◐ ماذا عن حق إيران في الدفاع عن نفسها؟

السؤال الجوهري: هل يحق لإيران أن تدافع عن نفسها في حال تعرضت لعدوان من قبل إسرائيل؟
وهذا ما حدث بالفعل ولا زال مستمرا.
لماذا يُسمح لإسرائيل أن تشن عدوانها على دول المنطقة تحت مبررات واهية، بينما يُحرَم أي طرف آخر، مثل إيران، من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه؟ هذه ازدواجية المعايير التي نسمعها باستمرار من أولئك الذين يتبنون وجهة النظر الغربية، والتي تتجاهل التاريخ وتاريخ هذه الصراعات الممتد منذ عقود.
◐ غزة نموذجًا:
الحرب الأخيرة على غزة، التي استمرت لفترات متواصلة من العدوان الإسرائيلي، جعلت هذه الأسطوانة تتكرر مرارًا وتكرارًا. ففي الوقت الذي كان فيه الكيان الصهيوني يتفاخر بالتدمير واستهداف وقتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين، كان يصور نفسه دائمًا كضحية تحت ستار “الدفاع عن النفس”. ولكن هل هذا الحق محصور في إسرائيل فقط؟
إنه من المؤسف أن نتجاهل أو أن نفترض أن الدول التي تُهاجم من قبل الكيان الصهيوني لا ينبغي لها أن تدافع عن نفسها. في الوقت الذي يتم فيه تبرير كل تصرفات إسرائيل، تُمنع شعوب المنطقة من انتزاع حقها المشروع في الدفاع عن أراضيها. هذه السردية تختزل المعركة من كونها دفاعًا مشروعًا عن الذات إلى مجرد محاولة غير مبررة لمحاربة “الوجود الإسرائيلي”.
◐ الازدواجية الغربية: ماذا لو كان الدور على دول أخرى؟
لنستعرض الأمر بتفصيل أكبر: إذا فكرت إسرائيل في العدوان على أي دولة أخرى في المنطقة، تحت أي ذريعة كانت، من سيقف في صف هذه الدولة؟ هل سنرى نفس المواقف المزدوجة تتكرر مرة أخرى؟ هل سنسمع نفس الأسطوانة التي تقول: “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”؟ وهل سيُسمح للدول المستهدفة بالرد، أم أن العالم سيقف صامتًا أمام هذا العدوان الجديد؟
لن يكون الأمر مفاجئًا إذا وقع مثل هذا العدوان في المستقبل، فكما شهدنا في الحروب السابقة، ستستمر مواقف الدول الغربية في التخاذل، بينما سيتم دعم إسرائيل في كل خطوة على حساب الشعوب العربية والإسلامية، كأنها هي التي تُعتبر “الضحية” دائمًا. ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد حرب بين طرفين، بل هو استمرار لنفس المعايير المزدوجة التي تضع إسرائيل في موضع “المظلوم” بينما هي المعتدية الأولى. من يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في غزة وأرضه المسلوبة؟ ومن يحمي هذه الشعوب من بطش الاحتلال الإسرائيلي؟
◐ في الختام… دعوة للوعي والمقاومة
علينا أن نفهم أن هذا الواقع هو الذي يواجهه كل من يسعى لتحرير أرضه، ولكن ما نشهده من المواقف الدولية يؤكد أن الدفاع عن النفس في قاموس البعض يكون مخصصًا لمن يمتلك القوة، أو من يُسمح له بها، بينما آخرون يُحرمون منها لمجرد أنهم لا يمتلكون الأدوات اللازمة للمقاومة.
علينا أن ننتبه جيدًا لهذا التناقض، وأن نعلم أن هذه المواقف الغربية المزدوجة لن تتوقف في أي وقت قريب. إنها جزء من منظومة أكبر تحاول الإبقاء على الوضع القائم لمصلحة قوة غاشمة، وتستمر في تجاهل الحقوق المشروعة للشعوب الأخرى. فإذا كان الدور قادمًا على دول أخرى في المنطقة، فيجب أن نكون مستعدين لأن نسمع نفس الأسطوانة تتكرر مرة أخرى.
ليعلم المتفرجون، الذين يقفون صامتين على ما يحدث في غزة وفي إيران اليوم وفي كل منطقة تعاني من العدوان الإسرائيلي، أن التاريخ لا يرحم. وإنه في حال جاء الدور على بلادهم، لن يكون لديهم سوى الصمت أمام العدوان و”الحق في الدفاع عن النفس” الذي يكرره المجتمع الدولي فقط عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.