البكالوريا بدون طلاب في غزة: عامان من التغيب الإجباري عن الامتحانات الوطنية!

البكالوريا بدون طلاب في غزة: عامان من التغيب الإجباري عن الامتحانات الوطنية!

أمد/ في كل عام، تشكّل امتحانات الثانوية العامة حدثًا وطنيًا جامعًا في فلسطين، إلا أن قطاع غزة هذا العام – وللعام الثاني على التوالي – تغيب قسرًا عن هذا المشهد. بين القصف والنزوح، ضاع الحُلم المؤجل لآلاف الطلبة الذين كان من المفترض أن يجلسوا على مقاعد الامتحان، لا تحت أنقاض مدارسهم.

بينما تستعد المدارس في الضفة الغربية لاستقبال طلبة الثانوية العامة صباح السبت الموافق 21 يونيو 2025، يخيم صمت ثقيل على قاعات الامتحان في غزة، التي لم تشهد جلوس الطلبة على مقاعدها للسنة الثانية على التوالي. ففي ظل حرب إبادة مدمّرة، لم تترك آلة الحرب الإسرائيلية حجرًا على حجر، ولا مقعدًا دراسيًا على جدار، لترتسم مأساة تربوية غير مسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني.

طلاب غزة الذين كانوا يستعدون لإنهاء رحلتهم المدرسية والانتقال إلى آفاق التعليم العالي، وجدوا أنفسهم ضحايا مباشرة للعدوان: مئات الشهداء والجرحى من طلبة التوجيهي، ومئات آخرون شُردوا من بيوتهم ومدارسهم، فيما دُمرت مراكز تعليمية بالكامل، وتعذر توفير الحد الأدنى من البيئة التعليمية الآمنة. لم يكن تأجيل امتحانات الثانوية العامة خيارًا إداريًا فحسب، بل ضرورة إنسانية فرضتها الكارثة.

في المقابل، تُجرى امتحانات التوجيهي في الضفة الغربية في موعدها، رغم التحديات السياسية والاقتصادية، وهو ما يسلّط الضوء على التباين الصارخ في الواقعين التربويين داخل الوطن الواحد، حيث يتمكن طالب في رام الله من مراجعة دروسه على طاولة مكتملة، بينما يراجع طالب في غزة مشهد ركام مدرسته المهدمة، أو يقضي يومه بحثًا عن الماء والطعام.

إن غياب التوجيهي في غزة للسنة الثانية لا يمثّل مجرد انقطاع دراسي، بل هو تهديد مباشر لمستقبل جيل بأكمله، وشرخ عميق في وحدة المنظومة التعليمية الفلسطينية. وإذا كان امتحان الثانوية العامة يمثل في الوجدان الفلسطيني بوابة العبور إلى المستقبل، فإن غيابه القسري في غزة يعكس إغلاقًا قسريًا لأبواب الأمل والطموح أمام عشرات الآلاف من الشباب.

المطلوب اليوم ليس فقط التضامن الوجداني مع طلاب غزة، بل تحرك عاجل لوضع خطة وطنية إنقاذية شاملة، تدمج بين الدعم النفسي والتأهيلي والتربوي، وتفتح مسارات بديلة ومبتكرة لتعويض الفاقد التعليمي. فالثانوية العامة ليست ورقة أسئلة فحسب، بل شهادة حق لهذا الشعب على صموده، وعلى أن التعليم كان – وسيظل – أحد أعمدة بقائه ومقاومته.

نحو استعادة الحق التعليمي لأبناء غزة.. ما الحل؟!

إن غياب امتحانات الثانوية العامة في غزة للسنة الثانية على التوالي لا ينبغي أن يُعامل كأمر واقع، بل يجب أن يُنظر إليه كنداء طارئ لإعادة صياغة آليات العدالة التعليمية في حالات النزاع والظروف الاستثنائية، ومن هنا تبرز الحاجة إلى تدخلات عاجلة واستراتيجية، منها:

1. إطلاق برنامج وطني بديل ومتكيف مع خصوصية الوضع في غزة، يشمل آليات تقييم مرنة، ودعمًا نفسيًا وتربويًا متكاملًا، يضمن للطلبة الانتقال السلس إلى المرحلة الجامعية دون المساس بجودة المخرجات التعليمية.

2. عقد امتحانات التوجيهي وجاهيًا في حال توفرت قاعات (خيام) داخل القطاع، يُعد خيارًا واقعيًا، شريطة تقسيم الطلبة إلى مجموعات، بحيث يُقدّم طلبة الفرع العلمي امتحاناتهم أولًا في فترة محددة، ثم يتبعهم طلبة الفرع الأدبي، لضمان أفضل إدارة للموارد وتخفيف العبء على المؤسسات التعليمية.

3. تفعيل التعليم الرقمي الطارئ عبر منصات معدة خصيصًا للعمل في بيئات النزوح أو انقطاع الكهرباء، إلى جانب توفير الأجهزة اللازمة والدعم الفني والتربوي للطلبة في المخيمات والمناطق المتضررة.

4. تشكيل لجنة وطنية مشتركة بين غزة والضفة، تتولى إدارة ملف الثانوية العامة بروح موحدة، بما يحمي وحدة الشهادة الفلسطينية ويمنع ترسيخ الانقسام التعليمي.

5. مطالبة الجامعات المحلية والدولية بتسهيل قبول الطلبة المتضررين وفق آليات استثنائية تراعي واقعهم الصعب، وتضمن لهم فرصًا متكافئة في متابعة التعليم العالي.

6. توجيه نداء للمجتمع الدولي، وعلى رأسه اليونيسف واليونسكو، لتحمّل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية في حماية حق التعليم لأطفال غزة، ومنع تهميشهم أو إقصائهم من العملية الأكاديمية.

إن استمرار تقديم امتحانات التوجيهي في الضفة الغربية شهادة على صلابة الإرادة الفلسطينية، لكنه في الوقت ذاته دعوة صريحة لإعادة الاعتبار للحق المسلوب لطلبة غزة. فالحلم لا يغيب، حتى إن غاب الامتحان، لكنه بحاجة إلى من يحميه، ويؤمن بأن التعليم ليس امتيازًا، بل حقّ لا يسقط بالحرب.