مجازر وحصار وتجويع: أكثر من 100 شهيد في غزة يوم الخميس، بينهم العديد من المنتظرين للمساعدات.

مجازر وحصار وتجويع: أكثر من 100 شهيد في غزة يوم الخميس، بينهم العديد من المنتظرين للمساعدات.

أمد/ غزة: لليوم الـ6223 على التوالي، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين في قطاع غزة؛ وبلغت حصيلة الشهداء الذين سقطوا أثناء انتظار المساعدات، اليوم، 12 شهيدًا، فيما أصيب أكثر من 172 آخرين، في قصف إسرائيلي استهدف تجمعات للمواطنين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية.

وبينما تتكثف الغارات الجوية على مختلف مناطق القطاع، تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل خطير، وسط تصاعد في أعداد المجازر التي تستهدف بشكل ممنهج النساء والأطفال، واستمرار الحصار الخانق الذي يمنع دخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية.

وتواصل القوات الإسرائيلية استهداف المدنيين الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، في مشهد يومي يتكرر عند نقاط توزيع الغذاء والمياه. بدلا من تأمين طرق الإغاثة، تقوم الطائرات والقناصة الإسرائيليون بإطلاق النار على النازحين، ما يخلف شهداء وجرحى بشكل متعمد، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية.

وفي اليوم الـ94 من استئناف الحرب، اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل أحد جنوده وإصابة آخر بجروح خطيرة خلال اشتباكات مع المقاومة الفلسطينية في غزة. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أعلنت عن مقتل أربعة جنود خلال أسبوع واحد من العمليات داخل القطاع.

وفي ظل هذا التصعيد، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من انهيار الخدمات الصحية، حيث تغرق المستشفيات في الظلام بسبب نفاد الوقود، والمياه توشك على النفاد، فيما باتت سيارات الإسعاف عاجزة عن الوصول إلى الجرحى ونقلهم. ودعت الأمم المتحدة سلطات الاحتلال إلى وقف استخدام القوة المميتة حول نقاط توزيع الغذاء، في محاولة للحد من الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.

ارتفاع حصيلة الضحايا

 أعلنت مصادر طبية، يوم الخميس، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 55,706، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وأضافت المصادر ذاتها، أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 130,101، منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وأشارت إلى أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة 69 شهيدا، و221 إصابة خلال الساعات الـ24 الماضية، فيما أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/ مارس الماضي بعد خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار بلغت 5,401 شهيد، و18,060 إصابة.

وأكدت المصادر الطبية، أن حصيلة من وصل إلى المستشفيات من شهداء منتظري المساعدات منذ صباح اليوم وحتى اللحظة بلغت 12 شهيدا، وأكثر من 172 إصابة.

ولفتت إلى أن هناك عددا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

مجازر متواصلة.. شهداء وجرحى

 استشهد 16 مواطنا بينهم طفلان وسيدة وأصيب العشرات، ظهر يوم الخميس، في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي منازل في بلدة جباليا شمال قطاع غزة.

وقالت مصادر محلية إن طيران الاحتلال قصف عدة منازل متجاورة في بلدة جباليا، ما أدى لاستشهاد 16 مواطنا، وإصابة العشرات، وإن مواطنين وطواقم الإنقاذ تحاول إخراج جثث شهداء ومصابين من تحت الأنقاض.

 استُشهد 22 مواطنا وأصيب العشرات بجروح، يوم الخميس، في قصف الاحتلال الإسرائيلي مخيم الشاطئ وحي تل الهوى غرب مدينة غزة، ومنتظري المساعدات جنوب غرب مدينة خان يونس.

وأفادت مصادر طبية، باستشهاد 12 مواطنا بينهم 3 أطفال وإصابة العشرات بجروح، إثر قصف الاحتلال خيمة تؤوي نازحين في مخيم الشاطئ غرب غزة.

وفي مدينة خان يونس، قالت مصادر محلية، إن 6 مواطنين استُشهدوا وأصيب العشرات بجروح، جراء قصف الاحتلال منتظري المساعدات في شارع الطينة جنوب غرب المدينة.

وأضافت، أن 4 مواطنين آخرين استشهدوا وأصيب آخرون بجروح جراء استهداف قوات الاحتلال خيام نازحين  بجوار مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في حي تل الهوى جنوب غربي غزة.

كما شنت طائرة مسيرة للاحتلال غارة على شارع النصر بمدينة غزة، فيما قصفت مدفعية الاحتلال جباليا البلد شمال القطاع.

 استُشهد يوم الخميس، 8 مواطنين في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي، على مدينة غزة.

وأفادت مصادر طبية، باستشهاد خمسة مواطنين في قصف إسرائيلي على منزل في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.

وأضافت المصادر، أن ثلاثة مواطنين آخرين استشهدوا جراء قصف الاحتلال شقة سكنية قرب شارع الجلاء غربي مدينة غزة، وجرى نقلهم إلى المستشفى المعمداني.

استُشهد 16 مواطنا وأصيب نحو 100 آخرين بجروح، فجر يوم الخميس، جراء استهداف الاحتلال الإسرائيلي منتظري المساعدات في محيط وادي غزة شمال النصيرات وسط قطاع غزة.

وأفادت مصادر محلية، بأن آليات الاحتلال ومسيراته استهدفت المواطنين الذين ينتظرون المساعدات وسط قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 16 مواطنا وإصابة نحو 100 آخرين بجروح.

كما نسف جيش الاحتلال منازل شرق جباليا البلد شمال قطاع غزة.

تحذير أممي من كارثة وشيكة بسبب نفاد الوقود

قالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أولغا تشيريفكو إن مدينة غزة “على بعد ساعات من تدهور كارثي وإغلاق المزيد من المرافق” إذا لم يتم تأمين الوقود على الفور.

جاء ذلك في حوار مع موقع الأمم المتحدة في ختام زيارة للمدينة، استمرت بضعة أيام، حيث شاهدت الوضع “المروع للغاية” في الملاجئ المكتظة بالنازحين داخليا، فيما يستمر تدفق المواطنين الفارين من القصف الإسرائيلي على مناطق أبعد شمالا.

وقالت تشيريفكو إن نقص الوقود لا يزال حرجا للغاية ويؤثر على المرافق المنقذة للحياة، بما في ذلك المعدات في المستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي.

وأشارت إلى أن مضخات المياه توقفت في أحد المواقع التي زارتها يوم أمس الأربعاء بسبب نفاد الوقود، مضيفة أنه ما لم يتغير الوضع بحيث يُسمح بدخول المزيد من الوقود إلى القطاع وللمنظمات الإنسانية باستعادة الوقود من مخازنها، فإن المزيد من المرافق ستغلق حتما.

وفي حديثه في المؤتمر الصحفي اليومي، أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن محاولة فريق أممي لاستعادة الوقود من رفح قد نجحت، وتم نقل حوالي 280 ألف لتر إلى موقع أسهل للوصول في دير البلح. لكنه ذكّر الصحفيين بأن الوقود لم يدخل القطاع منذ 110 أيام الآن.

ونقلا عن مكتب أوتشا، قال: “في حين أن هذا يمنح بعض الوقت، إلا أنه بعيد كل البعد عن أن يكون كافيا لاستمرار عمليات إنقاذ الأرواح. يجب السماح بدخول الوقود الذي تم شراؤه من الخارج إلى غزة. ما لم يحدث هذا قريبا جدا، ستتوقف المستشفيات وسيارات الإسعاف ومحطات تحلية المياه وشبكات الهاتف وغيرها من الخدمات الحيوية”.

وقالت المتحدثة باسم مكتب أوتشا إن الناس في غزة يخاطرون بحياتهم، باستمرار، “في محاولة للعثور على شيء يأكلونه أو يُتركون مع خيار الموت جوعا”، حيث لا تزال المساعدات التي يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخولها إلى القطاع محدودة للغاية.

ونقلت تشيريفكو قصة عن إحدى المواطنات التي أخبرتها أنها ذهبت مع صديقة لها حامل في شهرها التاسع أملا في العثور على بعض الطعام في أي من المناطق التي يمكن أن تكون فيها بعض التوزيعات الإنسانية، لكن خوفهما الشديد حال دون وصولهما.

وقالت تشيريفكو: “الحوادث التي يُقتل ويصاب فيها الناس وهم ينتظرون الطعام فقط – أملا في إيجاد ما يسد جوع أطفالهم – هي حوادث مروعة وغير مقبولة على الإطلاق”.

وقد زار فريق من الأمم المتحدة، الأربعاء، مجمع ناصر الطبي في خان يونس، والذي “يكافح من أجل البقاء قيد التشغيل تحت ضغط مستمر ونقص حاد في كل شيء تقريبا”، وفقا للمتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، حيث شاهدوا “مئات الضحايا، بمن فيهم العديد ممن تعرضوا للهجوم أثناء انتظارهم للطعام”.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس إن مستشفى ناصر يستضيف ضعف عدد المرضى الذي يمكنه استيعابه، مضيفا أنه لا يمكنه توسيع طاقته لأنه يحتاج إلى أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة المراقبة والأسرّة وكذلك الموظفين للعمل.

وقال دوجاريك إن المنظمة تمكنت من إيصال الحد الأدنى من الوقود إلى المستشفى لتشغيل مولداته الاحتياطية.

وأكد أن وضع الأمن الغذائي مستمر في التدهور لأن المساعدات التي تدخل “غير كافية على الإطلاق لتلبية احتياجات الناس”.

وقال إن السبيل الوحيد لمعالجة الوضع هو السماح بتدفق المساعدات، دون قيود وبشكل مستدام، وتمكين العاملين في المجال الإنساني من إيصالها بأمان لتخفيف المعاناة في غزة.

وفي غضون ذلك، قالت تشيريفكو إن الهجمات (الإسرائيلية) العنيفة مستمرة في جميع أنحاء القطاع. وأضافت أن خمس قنابل متتالية أُلقيت على منطقة الشجاعية خلال زيارة الفريق الأممي لمركز إيواء للنازحين، مضيفة أن مثل هذه الهجمات لا تزال ترعب السكان.

وقالت: “الكثير منهم معتادون على ذلك، وفي الواقع قرروا في هذه المرحلة أنهم يفضلون الموت أينما كانوا بدلا من الانتقال إلى منطقة أخرى، لأن العديد من تلك المناطق التي ينتهي بهم الأمر إلى الانتقال إليها تتعرض للقصف أيضا”.

من جهة أخرى، قال دوجاريك إن جهود إصلاح كابل الألياف الضوئية (الفايبر) الذي تضرر في غزة تعرقلت، مما تسبب في انقطاع كبير في الاتصالات لليوم الثالث على التوالي.

وأكد أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي وافقت اليوم مبدئيا، لكنها أعاقت حركة فريق أُرسل لتحديد مكان قطع خط الألياف الضوئية.

وأضاف أن القطع يؤثر على وسط وجنوب غزة، وإلى أن تُحل المشكلة، “سيحرم الناس من المعلومات المنقذة للحياة حول أماكن الحصول على المساعدة، وستظل فرقنا الإنسانية غير قادرة على التنسيق والتنقل بأمان في غزة”.

وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة أيضا إلى أنه لم يُسمح بدخول مواد الإيواء إلى غزة منذ الأول من آذار/مارس، ولا تزال الخيام والأخشاب والأقمشة المشمعة وأي مواد إيواء أخرى محظورة.

وقال: “لقد نزح جميع سكان غزة تقريبا عدة مرات خلال هذه الحرب، وتتدهور ظروف المأوى بسرعة أكبر. وتتركز أماكن الإقامة المؤقتة في المدارس التي تم قصفها والساحات العامة والأنقاض الحضرية، وغالبا ما تتجاوز طاقتها الاستيعابية بكثير، ومن الواضح أنها تفتقر إلى أي بنية تحتية أساسية”.

وأضاف أن لدى الأمم المتحدة وشركائها حوالي 980 ألف مادة للإيواء، تشمل 50 ألف خيمة، جاهزة لدخول القطاع بمجرد السماح بذلك.

انتظار المساعدات في غزة “مهمة انتحارية”

في حي الكرامة شمال غزة، يتجمع عشرات الآلاف من المواطنين الجائعين بشكل شبه يومي بانتظار مساعدات إنسانية من المفترض أن تصل إليهم، فيعود بعضهم شهيدا محمولا على الأكتاف، أو حاملا كيس طحين، وربما خالي الوفاض، أو ستختفي آثاره ليسجل ضمن “مفقودي الحرب”.

يوميا، يتوجه المواطنون في قطاع غزة إلى ثلاث نقاط توزيع في قطاع غزة، في رفح جنوبا، وقرب مفرق الشهداء، في الوسط، وجباليا، شمالا، وهي الأماكن التي حددتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تقتل فيها العشرات بشكل شبه يومي.

وقتل جيش الاحتلال زهاء 450 مواطنا من منتظري المساعدات شمال ووسط وجنوب القطاع، وفق مصادر طبية، منذ بدء الدخول المحدود لبعض المساعدات أواخر أيار/مايو الماضي.

وأمس، تمكنت الطواقم المختصة من انتشال جثامين 15 شهيدا لمواطنين كانوا بانتظار المساعدات من شارع الواحة في بيت لاهيا شمال القطاع، فيما جثامين أكثر من عشرين شهيدا قصفتهم قوات الاحتلال التي قتلت أيضا 50 جائعا كانوا ينتظرون الطعام، مازالوا في منطقة “التحلية” في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

آباء، وأمهات، خريجون جامعيون، وطلاب، وعمال، وموظفون، يصلون نقطة الانتظار مشيا أو على “كارات” تجرها دواب أو يتسلقون الشاحنات ليبيتوا ليلتهم هناك.

ورغم خطر الموت برصاص الاحتلال، يفتش هؤلاء الأرض بجوار حي الكرامة، غير مكترثين بأصوات الانفجارات الضخمة، يتحسسون الأرض في الظلام بحثا عن بقعة خالية من الحصى، تتسع لأبدانهم يتمددوا بحثا عن قسط من الراحة.

وقال غسان زيادة (46 عاما)، أحد الذين تسلقوا شاحنة نقل ليصل إلى منطقة الكرامة، إنه يعمل مدرسا للتربية الإسلامية واللغة العربية ويأتي هنا متحرجا.

“أعلم التلاميذ مبادئ أساسية هي عدم الكذب وعدم السرقة وعدم التعدي على حقوق الآخرين لكنني مضطر أن آتي هنا فقط بدافع الجوع، فلا خيار” قال زيادة.

وأكد زيادة، وهو أب لستة أطفال، أنه لو لم يفعل ذلك سيموت أطفاله جوعا، مشيرا إلى أن هذا السلوك كان منوطا باللصوص وقطاع الطرق، لكن الآن يضطر جميع المواطنين أن يسلكوه بسبب الجوع.

وحول الخطر قال زيادة إنها “مهمة انتحارية” دافعها الجوع، هناك خطر الموت قصفا أو موت أطفالي جوعا “وحسبك من أمرين أحلاهما مر”.

وقالت إحدى الناس اللوات خرجن مساء في انتظار المساعدات، إنها مضطرة فوالد الأطفال أصيب وبات قعيدا منذ بداية العدوان ولا معيل لأطفالها الأربعة.

“خروجنا كنساء معيب جدا ففيه احتكاك بالرجال وغياب ليلا وهذه ليست من عاداتنا، لكن لا مساعدات توزع من المؤسسات الدولية منذ ثلاثة أشهر ولا خيار آخر،” قالت المرأة التي رفضت الكشف عن اسمها واكتفت باللقب أم محمد.

أرخى الليل سدوله فأشعل بعضهم نارا لطرد البعوض، وفي ذلك يقول فايز عبيد (27 عاما) والذي تخرج من كلية الحقوق، لمراسل “وفا” إنه ينتظر هنا منذ 6 ساعات، أتى برفقة مجموعة من الأقارب والأصدقاء بانتظار الشاحنات التي ربما تصل وربما لا تصل.

“هذه الليلة السادسة آتي هنا نقضي ساعات نصارع البعوض ليلا والذباب نهارا ورائحة الصرف الصحي طول الوقت، ننتظر ونحن جائعون، مرة واحدة نجحت في الحصول على قليل من الطحين من كيس ممزق”.

وأشار إلى أنه ومن معه يأتون كجماعات كي يساعدوا بعضهم البعض عند أي قصف أو ليحموا أنفسهم من اللصوص وقاطعي الطرق. “الوضع خطير من رصاص الاحتلال واللصوص”، قال عبيد.

هرج ومرج وإطلاق نار كثيف طرأ بين المواطنين بانتظار المساعدات، عادوا يركضون، بعضهم يحمل كيسا من الطحين على أكتافه، وآخر ترك الكيس وهرب، وآخرون استلقوا على الأرض تجنبا للرصاص ووصلوا زحفا.

ثلة من المواطنين برزوا من بين المحتشدين يحملون الشاب محمد الزعانين على عربة خشبية خاصة بنقل البضائع. جنود الاحتلال قتلوا الزعانين وهو يحمل طحينا عائد به لأخواته اللواتي يتضورن جوعا في ملجأهن.

وقال أحمد عويلي (19 عاما) لمراسل وفا إنه ما أن اقترب من شاحنة المساعدات، حتى انفتحت النار فهرب دون أن يلتفت خلفه” مشيرا إلى أنه رأى عددا من المواطنين استشهدوا وأصيبوا.

ليس الموت فقط بانتظار الجياع، بل أيضا الغياب وعدم العودة. فمنذ أول أمس تناشد بعض العائلات، عبر صفحات التواصل الاجتماعي، الجماهير للعثور على أبنائهم الذين خرجوا بحثا عن طعام ولم يعودوا منذ عدة أيام.

وتناشد عائلة “الشاعر” المواطنين للمساعدة في العثور على ابنها حسام (52 عاما)، الذي فقد قرب نقطة التوزيع وسط القطاع منذ ثلاثة أيام، فيما تبحث عائلة “خلة” عن ابنها أحمد (20 عاما)، الذي فقد في نقطة المساعدات شمال غزة.

كما تعج منصات التواصل الاجتماعي بعشرات المناشدات من عائلات تبحث عن أبنائها الذين خرجوا بحثا عن المساعدات ولم يعودوا منذ عدة أيام.

ومنذ أوائل آذار/ مارس الماضي تمنع قوات الاحتلال دخول أي نوع من المساعدات الغذائية أو الطبية، لا الخاصة بالمؤسسات الدولية، ولا غيرها ما خلق أزمة جوع حادة.

لكنها وبعد انتقادات دولية حادة فرضت توزيع بعض المساعدات بآلية فوضوية وغير كافية وخطيرة يلقي فيها الاحتلال والشركة التي تعمل إلى جانبه سلات غذائية بكميات محدودة لعشرات الآلاف من المواطنين الذين يتعرضون للقتل برصاص والآليات العسكرية.

وكانت شبكة المنظمات الأهلية قد حذرت من آلية توزيع المساعدات الأميركية في قطاع غزة، قائلة إنها تمثل خطرا مباشرا على حياة المواطنين ظل الاستهداف المنهجي للمدنيين في نقاط توزيع المساعدات.

وشددت الشبكة على ضرورة وقف العمل بهذه الآلية، والعودة للعمل عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية لأن الآلية الحالية “تصب في خدمة أجندة الاحتلال بتعميق الأزمة الإنسانية”.

وصل للتو عماد جابر، يحمل قنينة ماء مستعد للانتظار قال إن هذا المشهد هو روتين يومي يمارسه المواطنون بعد أن كان خاصا باللصوص.

“انتظار الشاحنات لنيل بعض الطعام كان عملا منوطا باللصوص وقاطعي الطرق المسلحين لكن الآن الجميع ينتظر الشاحنات فالغالبية مجرد مواطنين جوعى”.

أما أمجد عرام (41 عاما)، كان يعمل طباخا في أحد الفنادق، فقال إن زوجته حامل في الشهر السادس وربما تفقد جنينها بسبب سوء التغذية.

“أنا مضطر أن أجلب لها أي شيء يؤكل، وهذا هو السبيل الوحيد فلا عمل والمخزون المالي نفد بعد سنتين من العدوان” قال عرام.

ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قتلت قوات الاحتلال في حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة 55,706 مواطنين أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وأصابت 130,101، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.