ازدواجية المعايير الفاضحة: كيف تعبر إسرائيل عن استنكارها لقصف مستشفى؟

أمد/ في لحظة من لحظات التناقض الجارح، خرجت إسرائيل لتعلن أن إيران قد قامت بإاستهداف مستشفى داخل الأراضي المحتلة، رغم عدم اقرار الجانب الإيراني بذلك لتسارع اسرائيل بعدها بتقديم نفسها كضحية، وتستنفر الآلة السياسية والإعلامية العالمية. لكن لوهلة، توقف الكثير من المتابعين: أليس هذا ما فعلته إسرائيل مرارًا في غزة؟ بل وأكثر!
على افتراض – فقط افتراض – أن إيران أو أحد حلفائها قصف مستشفى بالفعل، فهل لإسرائيل أن تنظر في المرآة؟ هل نسيت أنها من قصف أكثر من 30 مستشفى ومرفقاً طبياً في غزة خلال أشهر قليلة؟ هل نسيت أنها حاصرت مستشفيات بالكامل، ومنعت عنها الوقود، والكهرباء، والماء، بل استهدفتها بالصواريخ والدبابات، وهي تعلم تمامًا من فيها: مصابون، أطفال، طواقم طبية، جرحى لا حيلة لهم، ونساء يبحثن عن الأمل؟
هل سقطت من الذاكرة صور “مستشفى الشفاء” المدمر، و”القدس الطبي” المحاصر، و”النجاح” الذي هدم على من فيه، والمجازر التي وقعت داخل أقسام الطوارئ، والعناية المركزة، وغرف العمليات؟ لا بل إن إسرائيل تباهت أحيانًا بتلك العمليات، وصرّحت عبر مسؤوليها أنها تستهدف “مراكز تستخدمها حماس”، كأن وجود مريض لا يُحتضر، ولا يستحق الحياة، إن مرّ اسمه في قاموس أعداء الدولة العبرية.
فمن الذي يحق له التباكي على مستشفى؟ من قصف عشرات المستشفيات؟ من قتل الأطباء والمرضى؟ من حوّل الممرات إلى مقابر جماعية؟ أم من قيل إنه قصف منشأة واحدة؟
◐ العالم الغربي… حين تعمى البصيرة
السؤال الأهم هنا: كيف ستتعاطى واشنطن، وبرلين، ولندن، ومجلس الأمن، والأمم المتحدة مع هذه الحادثة؟ هل ستصدر بيانات الإدانة؟ هل سنرى مؤتمرات عاجلة، ومواقف صارخة، وعقوبات وتهديدات؟ أم أن صوت الضحية يرتفع فقط إن كان “إسرائيليًا”، ويخفت إن كان فلسطينيًا ممددًا تحت الركام؟
لم نرَ أي ضجة حين استُهدفت مستشفيات غزة. بل على العكس، كانت هناك حملات تبرير، وتشكيك، وصمت مريب. أما الآن، وقد ادعت إسرائيل أن مستشفى لها استُهدف، فإن العالم – على الأرجح – سيقف على قدم وساق، وستتوالى الإدانات، وربما تُتهم دولٌ بالإرهاب، فقط لأن القصف طال “منشأة إسرائيلية”.
هذه ليست حربًا على الذاكرة، بل على العدالة. وليست فقط عن استهداف مستشفى، بل عن ازدواجية لا تزال تنخر في الضمير العالمي.
◐ ختامًا:
إذا كانت إسرائيل تملك حق الشكوى اليوم، فإن الفلسطينيين يملكون حق النواح منذ عقود. وإذا كانت الصواريخ تقتل، فإن التواطؤ يصنع المجازر في صمت.
فهل يعقل أن يتحول القاتل إلى ضحية فقط لأنه يملك ميكروفونًا عالميًا؟ وهل تتحول دماء الأبرياء في غزة إلى مجرد “أضرار جانبية”؟
العدالة لا تُجزأ. والمستشفيات ليست ساحة حرب. ومن اعتاد هدمها لا يحق له أن يطلب التعاطف حين يُضرب أحد جدرانه.