حان الوقت لتوحيد الصفوف ودعم الجبهة الداخلية!

أمد/ يا أهلنا، يا ربعنا في قطاع غزة الحبيب، يا من صمدتم فوق أرضٍ روَتْها التضحيات بدموعٍ لا تجفّ، ويا من باتت بيوتكم مجرد حطامٍ يحملُ ذكرياتٍ مؤلمة، فكل يومٍ يمرّ وأنتم تواجهون ويلات الحرب التي لا ترحم، وقسوة الحصار الذي يخنق الأنفاس، ومرارة الفقدان الذي يمزق القلوب، لكن! الألم الأشدّ، يا أحبابنا، هو ذاك الشعور المؤلم بالتصدع من الداخل، وأنَّ جبهتكم الداخلية، التي كانت يومًا حصنًا منيعًا لصمودكم الأسطوري، باتت اليوم مهددةً بالخطر وتنهار تباعا امام الامراض المشاكل والامراض الاجتماعية، وعجزها عن تلبية متطلبات الصمود والثبات على الارض…
فليس من الصمود أن نرى أبناءنا يجوعون، وأعينهم البريئة تتوسل لقمةً تسدّ رمقهم، ولا من الكرامة في أن تُتاجر بعض القلوب بقوت يومكم، وبآلامكم التي لا تُحتمل، فأنتم يا أهل غزة العظماء، لستم مجرد أرقامٍ جامدةٍ في نشرات الأخبار، ولا قصصًا تُروى لجمع التبرعات سرعان ما تُنسى، أنتم نبضٌ حيٌّ لا ينضب، أرواحٌ كريمةٌ تأبى الانكسار، تستحق الحياة بكرامةٍ وعزةٍ لا يُعلى عليها، إنَّ هذا الألم الذي تعيشونه، وهذا اليأس الذي يزحف بخفةٍ إلى النفوس المرهقة، هو نتاجٌ مباشر لإهمالٍ قاسٍ طال جبهتكم الداخلية، لضعفٍ قُوّضَ منعتكم، وفتّت من عزيمتكم الصادقة، فهذا الضعف هو من يعمّق أزمتكم الإنسانية والمعيشية، ويقوّض قدرتكم على الصمود الأبيّ والتكيف المرير، ويزيد من معاناتكم في وجه التحديات التي لا تتوقف.
إنَّ واجبنا اليوم، بل هو صرخةُ ضميرٍ تهزّ أركان الوجدان، أن نوقف هذا النزيف الذي يدمي القلب. أن نُعيد بناء ما تهدّم لا من حجارةٍ صماء، بل من ثقةٍ صادقة، وتماسكٍ لا يلين، وأملٍ يضيء دروب الظلام، فالأولوية القصوى الآن ليست في الشعارات الجوفاء، بل في الأفعال المخلصة التي تترجم الحب إلى واقع، فلنتحدّ، بكل ما أوتينا من قوةٍ وإخلاصٍ، لتضميد الجراح الغائرة، وتقوية العزائم التي أوشكت أن تخور وهذا يعني:
• أن توقف فورًا المتاجرة بآلامكم، بجوعكم، بفقركم المدقع، فكرامتكم، وصمودكم الأبيّ، ووجودكم على هذه الأرض المقدسة هي الأهم فوق كل اعتبار، ويجب أن تُوضع الخلافات جانبًا، وأن تُنسى مرارة الانقسام التي أرهقتكم.
• لنتوحدّ بكل جهدٍ صادق، فلا يمكن لجبهةٍ أن تصمد وتنتصر إن كانت مقسّمةً ممزقة، ولنمدّ أيدينا لبعض، لا كغرباء بل كأهل، ولنبني جسور الثقة التي تهدّمت، ولتكن غزة الحبيبة هي بوصلتنا الوحيدة التي تجمعنا وتوحد قلوبنا.
• لنجدّد الأمل بالتعاون الصادق، من الجميع، ولنعمل بجدٍّ لا يكلّ ولا يملّ من أجل توفير لقمة العيش الكريمة، لنُعد بناء بيوتكم التي دُمرت، ومستشفياتكم التي تئنّ، ومدارسكم التي تنتظر أطفالكم، لنوفر لكم الأمن والأمان، ونمدّ لكم يد العون بحبٍّ لتجدوا فرص العمل التي تُعيد لكم كرامتكم، وتعليم أبنائكم الذي ينير مستقبلهم، وعلاج مرضاكم الذي يُخفف آلامهم.
• لنصون كرامة شعبنا بأرواحنا، فكرامتكم يا أهل غزة هي جزءٌ لا يتجزأ من كرامتنا، وصمودكم العظيم هو صمودنا جميعًا، لنقف صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص في وجه كل من يحاول استغلال معاناتكم، أو تهجيركم قسرًا من أرضكم الطاهرة.
يا أهل غزة الأبطال، أنتم حُماة الأرض، وأنتم منارة الصمود التي لا تنطفئ، لا تدعوا ضعف الجبهة الداخلية ينال من عزيمتكم الصلبة، لقد حان الوقت لأن نُخلص العمل، لأن نُنصت بآذانٍ صاغية لصرخة الجياع التي تمزق الفؤاد، ولنُسابق الزمن بلا كلل لحماية ما تبقى من كرامة، فأنتم تستحقون الحياة بكرامةٍ كاملة، وتستحقون أن تعيشوا بسلامٍ وأمان فوق أرضكم، مرفوعي الرأس، أعزاء، أقوياء، لا ينحني لكم جبين.
أخيرا: عندما يعاني مجتمع من أمراض اجتماعية وتحديات تنهك قواه، يجب أن يشكّل بنفسه فعلًا للمواجهة، وأن يحصّن نفسه من الهاوية والاندثار، دعونا نحصّن مجتمعنا بيدٍ واحدة وقلبٍ واحد، ليظل ثابتًا على الأرض، كالجبال الرواسي التي لا تهزّه الرياح العاتية، ولا تكسره المحن مهما عظمت، فصمودكم يا أهل غزة هو أمانتنا الأغلى، وكرامتكم هي شرفنا الذي لا يُضاهى.