كيف تعيد إسرائيل تقديم رواية “الضحية”؟

أمد/ البحث عن وعي عميق بكيفية صناعة السرديات في الفضاء الإعلامي، وخصوصًا حين ترتبط هذه السرديات بمصير شعوب بأكملها.
ففي لحظة فارقة من تاريخ الصراع في المنطقة، تتكرر اللعبة القديمة مجددًا إسرائيل في ثوب الضحية، والعالم الغربي يصفق، والذاكرة الجمعية تستدعي “الهولوكوست”، فيما تطمس الجرائم اليومية التي ترتكبها إسرائيل بحق شعبٍ أعزل في غزة، تحت أنقاض البيوت والمدارس والمستشفيات.
ما نلاحضه هو انقلاب في المشهد الإعلامي فلقد جحت إسرائيل، كما في محطات كثيرة سابقة، في قلب الصورة من دولة محتلة تمارس القتل والتدمير الممنهج، إلى كيان “مستهدف” من قبل “قوى الشر” في المنطقة. هذا ما يؤكد علية الخطاب الامريكى والرئيس ترامب سقوط بعض الصواريخ الإيرانية على مدن إسرائيلية – بغض النظر عن حجم الأضرار – استخدم كمادة دسمة في ماكينة الدعاية الغربية، ليعاد تسويق الكذبة الكبرى بأن “إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا”.
وهنا يتسلل خطاب “معاداة السامية” إلى المشهد مجددًا، لا ليحمي اليهود كأفراد، بل ليحصن إسرائيل ككيان سياسي من أي محاسبة أو مساءلة.
المفارقة أن كثيرًا من العرب، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي، يخدمون السرديه الإسرائيليه أصبحوا دون قصد جنودافي صف رواية “الضحية”. فتراهم يهللون لصور هروب الإسرائيليين إلى الملاجئ، ويعيدون نشر مقاطع مفبركة – أُنتجت أحيانًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي – تظهر دمارا لا وجود له في الواقع، مما يمنح إسرائيل مادة توظفها أمام العالم لتقول انظروا، إنهم يريدون فنائي.
هذا السلوك العاطفي المتهور يخدم أهدافا معاكسة تماما لمشاعر الغضب من إسرائيل. بل إن بعض هؤلاء – عمدًا او دون قصد يتحولون إلى أدوات لنشر رواية العدو، وإن تلبست بثوب الحماسة والانتصار الوهمي.
لا يقل ضررا أولئك الذين يغرقون في أحلام اليقظة، فيتخيلون تحالفا إسلاميا تقوده باكستان، أو تدخلاً صينيا روسيا من أجل حماية إيران، في حال تصاعدت المواجهة. هؤلاء يتجاهلون حقائق السياسة الدولية ويدفنون رؤوسهم في الرمال، متناسين أن روسيا غارقة في وحل أوكرانيا، وللتذكير بأن روسيا لن تتدخل ضد إسرائيل لصالح إيران لأن المواطنين اليهود في روسيا ما يقارب 205000 ويسيطرون على مرافق اقتصادية هامه فلا يمكن أن تتحاهل روسيا هذا الأمر فى علاقتها مع إسرائيل وفى سياستها الخارجية وأن المواطنين الروس فى إسرائيل حوالى مليون روسى يهودى داخل إسرائيل هولاء المواطنين الروس فى إسرائيل تجبر روسيا على عدم التدخل لدعم إيران .وأن الصين تخوض معاركها عبر الاقتصاد لا عبر البوارج، وأن باكستان بالكاد تحفظ أمنها الداخلي.
فالولايات المتحدة وإسرائيل ومعهما بعض الدول الأوروبية لا تريد حربا شاملة، لكنها تتمنى “خطأً إيرانيا” يبرر لها الضرب بقوة. وربما تنتظر طهران أن تسقط في فخ مضيق هرمز، أو أن تقدم على خطوة تفتح الباب أمام “تحالف العقاب” الذي سيضرب عمقها الاقتصادي والعسكري، ويعيد مشروعها النووي سنوات إلى الوراء.
حينها، سيقال للعالم”لقد أنذرناها مرارا لكنها تهدد الملاحة الدولية!”، وستضرب إيران، ويعاد رسم المشهد الجيوسياسي، ويدشن الفصل الجديد من مشروع “إسرائيل الكبرى”، كما صرح نتنياهو نفسه.
ووسط هذه الفوضى الجيوسياسية، غابت غزة عن الذاكرة. المدينة التي فجرت معركة السابع من أكتوبر – بقصد او دون قصد- وفجرت مبانيهاعلى رؤوس ساكنيها، والتي ارتكبت بحقها أكبر جريمة إبادة في القرن الحادي والعشرين، تحولت إلى مجرد “مقدمة” في نشرة الأخبار، لا يذكرها أحد. ومن أشعل نار هذه السلسلة من الخسارات الفلسطينية والعربية، بات هو الآخر طي النسيان، وكأن المهمة قد أُنجزت… سواء عن سوء تقدير، أو غفلة، أو ما هو أسوأ من ذلك.
واخيرا ما يحدث اليوم في المنطقة ليس إلا فصلاً جديدًا من فصول العبث بالوعي، حيث تخلط الأوراق ويعاد تموضع الجلاد والضحية، وتستهلك طاقات الشعوب في معارك إعلامية وهمية، فيما تنجز “إسرائيل” أهدافها الإستراتيجية الكبرى في صمت مريب… وهى اولا تغير النظام فى طهران وثانيا إعادة تشكيل الشرق الأوسط وان تكون هى القوة الإقليمية والنووية فى المنطقة فهى ماضية فى مشروعها وبكل أسى، وهنا من الصعوبة بمكان. ان نتوقع ما سيحدث قريبا لأن السيناريوهات المحتملة متعددة وهى متغير ه حسب المصالح لكل الاطراف سواء امريكا او الاتحاد الأوروبي أو العرب جميعاً نقولها ان الأيام القليلة القادمة ستغير وجه التاريخ والشرق الأوسط ليعاد تشكيلة وفق مصالح الدول الكبرى.