هل ستغير الحرب في غزة توازن التحالفات في الشرق الأوسط؟

أمد/ منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، والعالم يشهد واحدة من أكثر اللحظات السياسية اشتعالًا في تاريخ الشرق الأوسط. مشهد دموي جديد، لكن هذه المرة ليس كسابقاته. فالسياق الدولي تغيّر، والمواقف الإقليمية لم تعد تسير ضمن الثوابت التقليدية، بل بدأت قوى عديدة تعيد تموضعها وفق حسابات جديدة تتجاوز العواطف وتتصل بالمصالح الاستراتيجية.
◐ تحولات في مواقف عربية وإقليمية
لطالما كانت القضية الفلسطينية عاملًا مشتركًا يوحد الشارع العربي، لكنها كانت – في الوقت ذاته – ورقة توازنات دقيقة على طاولة السياسات الرسمية. في هذه الجولة، بدا أن هناك تباينًا حادًا بين موقف الشعوب والمواقف الرسمية، بل إن بعض الدول فضّلت الحفاظ على علاقاتها المستجدة مع إسرائيل أو الانكفاء نحو الداخل، فيما ظهرت دول أخرى، كقطر والجزائر، بمواقف أكثر صراحة في دعم غزة سياسيًا وإعلاميًا.
هذه التباينات بدأت تضع علامات استفهام كبرى حول التحالفات العربية القديمة والجديدة، وتطرح السؤال: هل ما زالت التحالفات تُبنى على أساس العداء التقليدي لإسرائيل؟ أم أن خريطة المصالح تغيّرت لدرجة باتت فيها بعض الدول ترى في التطبيع رافعةً استراتيجية؟
◐ الدور الإيراني والتركي: مناصرة أم استثمار؟
إيران، كما هو متوقع، لم تفوّت الفرصة لإعادة تقديم نفسها كـ”مدافع أول” عن المقاومة، معتبرة أن دعمها للفصائل الفلسطينية هو امتداد لمشروعها الإقليمي. لكن في الوقت نفسه، هناك خشية عربية من أن يتحول الدعم الإيراني إلى نفوذ موازٍ داخل الساحة الفلسطينية، على غرار ما جرى في ساحات أخرى كلبنان واليمن والعراق.
تركيا من جهتها، تسير على حبل مشدود. فهي تدين الهجمات الإسرائيلية، وتفتح المجال للغضب الشعبي، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات اقتصادية ودبلوماسية مفتوحة مع تل أبيب، مما يعكس رغبة في تحقيق توازن براغماتي أكثر من تبنٍ لموقف مبدئي صارم.
◐ إيران وإسرائيل: من حرب الظلال إلى المواجهة العلنية
لم تعد العلاقة بين إيران وإسرائيل مقتصرة على “حرب الظلال” عبر الوكلاء أو الهجمات السيبرانية. فالأحداث الأخيرة كشفت عن تحول خطير في قواعد الاشتباك، مع تنفيذ كل طرف ضربات مباشرة على أراضي الآخر — سواء عبر هجمات صاروخية، أو ضربات دقيقة بطائرات مسيّرة، أو اغتيالات عسكرية نوعية.
هذا التصعيد العلني، الذي لم يكن مألوفًا بهذا الشكل من قبل، يشير إلى أن الحرب في غزة أعادت رسم خطوط المواجهة، وجعلت من الصراع الإيراني–الإسرائيلي جزءًا مباشرًا من المشهد الإقليمي، لا مجرد خلفية بعيدة.
وبالتالي، فإن هذه التطورات قد تدفع قوى إقليمية إلى إعادة حساباتها في علاقاتها مع الطرفين، وتعيد ترتيب التحالفات على أساس الانحياز لأحد المحورين، أو محاولة تبني موقف حياد استراتيجي أكثر حذرًا.
◐ الولايات المتحدة والغرب: دعم غير مشروط أم إعادة تقييم؟
الدعم الغربي، وخاصة الأمريكي، لإسرائيل بقي قويًا، لكنه وُوجه هذه المرة بموجات غضب شعبي عارمة داخل العواصم الغربية نفسها. التظاهرات، الضغط الإعلامي، وانشقاقات سياسية داخل بعض الأحزاب أظهرت أن هناك مخاضًا داخليًا في الرأي العام الغربي، قد يُجبر الحكومات لاحقًا على تعديل سياساتها الخارجية أو إعادة ضبط لهجتها تجاه الصراع.
◐ الخلاصة: لحظة مفصلية في التاريخ الإقليمي
إن الحرب الحالية على غزة ليست مجرد فصل دموي جديد، بل هي نقطة تحول حقيقية في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية. إذ بات من الواضح أن خطوط الولاء تتغير، وأن الحسابات الاستراتيجية لم تعد تقبل بالثوابت القديمة. وبين محور المقاومة، ومحور التطبيع، وتكتلات الحياد، تتبلور خريطة جديدة للمنطقة… قد تكون أكثر هشاشة، لكنها بالتأكيد مختلفة عما سبق.