بارنيا عبَّاسي: صوت شعري إيراني متألق.. اغتالته وحشية القصف لعراة الضمير.

أمد/ “أنظر إلى كل شيء في حياتي بطريقة تسمح لي بالكتابة عنه”.. هكذا قالت الشاعرة الإيرانية الشابة بارنيا عبَّاسي في آخر مقابلةٍ صحفية لها،لكنها لم تكن تعرف وهي تفتح شرفتها في لحظةٍ صادفت إحدى الغارات الجوية العدوانية التي تشنها إسرائيل على طهران دون رادع ديني أو أخلاقي،أنها كانت تكتب قصيدتها الأخيرة.
رحلت “عبَّاسي”،وجميع أفراد عائلتها: والداها وشقيقها خلال الغارات الجوية الإسرائيلية المتوحشة..وظل صوتها يعانق الغيوم في الأقاصي..
…تقول في إحدى قصائدها:
“كل ليلةٍ أودع قلبي في خزينة البنك
أرقمه بشفرةٍ لا تكتشفها أجهزة الإنذار
لأصغي إلى معدلات الفائدة
فأسمع نبضًا يزداد بطئًا.
كلَّما ازداد النهار صلابةً
أعود إلى البيت بحقيبة فارغة
وفي جيبي قطعة نقد واحدة –
وجهها يحمل صورة قمري
وظهرها يرسم نافذة تضيء لثانيةٍ
ثم تنطفئ
تاركة على الحائط ظلَّ امرأة
تحاول اقتلاع الليل بأظافرها”.
وأودت الغارة الجوية البربرية-كما أشرنا-بحياة “عبَّاسي” ووالديها وشقيقها الأصغر،الطالب في المرحلة الثانوية،ودُمر منزل العائلة في مجمع أورشيده بشارع ستارخان،ولم يبقَ من بين السُكَّان سوى عدد قليل من الناجين.
وفي حديثٍ لصحيفة “طهران تايمز” قالت مريم،الصديقة المقربة لعبَّاسي،إن الشابتين كانتا قد خططتا للقاء صباح يوم الهجوم،لكن عندما وصلت مريم إلى موقع الحادث بعد القصف شاهدت عُمال الإنقاذ ينتشلون جثتي “عبَّاسي” وشقيقها من تحت الأنقاض، وهي لحظة وصفتها بأنها مدمرة تمامًا.
وأسفرت الغارات الإسرائيلية،التي استهدفت مناطق عسكرية ومدنية على حدٍّ سواء،عن سقوط عشرات الضحايا،وأثارت إدانة واسعة النطاق.لكنَّ هذه المأساة عززت دعوات المنظمات الدولية والمسؤولين الإيرانيين،لتوفير حماية أكبر للمدنيين في مناطق النزاع.
وأعرب أصدقاء وزملاء بارنيا ومعلموها عن حزنهم العميق لرحيلها، واصفين إياها بأنها كانت “مُفعمَة بالحياة والشِعر”.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي والمنظمات الثقافية في جميع أنحاء إيران بيانات تدين الهجوم وتنعى فقدان الفنانة الشابة،التي انقطعت مسيرتها الإبداعية الواعدة بسبب الحرب المتوحشة التي يشنها حفاة الضمير..
أصبحت مأساة برنيا عبَّاسي وشقيقها الشاب رمزًا قويًا لمعاناة المدنيين الناجمة عن هذه الهجمات الإسرائيلية المتوحشة..
في شعرها،كثيرًا ما تناولت بارنيا مواضيع كالضوء والظلِّ والشوق الوجودي،من نصوصها التي تبدو الآن وكأنها كانت نبوءة:
“ننتهي أنا وأنت في مكانٍ ما
سأحترق؛
سأصير نجمًا منطفئًا
دخانًا في سمائك
القصيدة تمشي الآن وحدها بين الركام،
تخمش بأظافرها الزجاج
وتفتح نافذةً صغيرةً لنهار لا يحتاج إلى تصريح”.
وداعا..برنيا عباسي..ولروحك السلام..
*نجمة أطفأتها يد الوحش”،بهذه الكلمات التي تنبأت بمصيرها، رحلت الشاعرة الإيرانية الشابة بارنيا عباسي (مواليد 2002)، إثر قصف إسرائيلي متوحش استهدف حي “ستارخان” وسط العاصمة طهران.الهجوم، الذي وُصف بـ”الهمجي”،أدى إلى مقتل عباسي مع أفراد من عائلتها،في واحد من أكثر المشاهد إيلاماً في التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران.
بارنيا،التي لم تبلغ بعد عامها الثالث والعشرين،كانت صوتاً شعرياً يافعاً يتلمّس طريقه وسط ظلال الحرب..
ورغم أنها لم تنشر الكثير من أعمالها،فإن ما وصل من صوتها بات الآن شهادة على جيل إيراني شاب،يعيش بين القصيدة والرصاص، ويكتب حياته على شفير الحريق..