نقاط القوة والضعف بين الطرفين

نقاط القوة والضعف بين الطرفين

أمد/ في مناقشة ملف الصراع الإيراني الإسرائيلي سياسيا، وبقراءة موضوعية بعيدا عن الاسقاطات الذاتية، لا يجوز بداية اللجوء للغة الشماتة والانتقام، لأن مثل هكذا أسلوب يعكس افلاس الكاتب، رغم أن بعض اتجاهات الرأي العام العربي تقع أسيرة ردود الفعل، وبعضها الاخر المؤيد أو المعارض لإيران وإسرائيل لا يقبل القسمة على المحاكاة السياسية لتطور الصراع في الميدان بين البلدين، وكلُ يشد القرص الى جانبه.
كما انه ليس مستساغا التوقف أمام كل ما هو معلن من مواقف وتصريحات لوسائل الاعلام، لأن الدول المتصارعة تلقي بحمم مواقفها النارية عبر المنصات والمنابر الإعلامية لتعزيز موقفها، ورفع معنويات شعبها، والـتأثير على المجتمع المعادي، وتحسين مستوى موقع كل منهما أمام الرأي العام العالمي. بيد ان هناك محددات سابقة وراهنة لصيقة الصلة بالصراع تشكل عناوين أساسية لانطلاق أي حوار او مناقشة سياسية لمعالجة تداعيات وآفاق لصراع.
ومع ان العلاقات القائمة بين البلدين بعد إقامة إسرائيل عام 1948 كانت إيجابية، حتى اشعال دولة اليهود الصهاينة من مرتزقة الخزر، القبيلة ال (13) فتيل الصراع مع جمهورية إيران الإسلامية، رغم الضجيج المفتعل بينهما في وسائل الاعلام، غير ان تلك العلاقات لم تكن طبيعية على الأقل بعد تولى التيار الإسلامي الحكم عام 1979، وكان الجمر يقيد تحتها. لأن الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الذي أصل لوجود إسرائيل وعزز مكانتها ودورها في الإقليم، وشكل الغطاء السياسي والديبلوماسي والقانوني لها فيه، ومنحها الضوء الأخضر لتكون فوق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتمتلك السلاح النووي، دون ان يسمح لأي مؤسسة دولية بالاقتراب منها، أو سؤالها، او المطالبة بمحاسبتها على شرورها وجرائم حربها، استنادا لمبدأ الكيل بمكيالين، ولأن الغرب الانكلوسكسوني والفرانكوفوني أقامها في إقليم الشرق الأوسط لتكون عصاه الغليظة لاستهداف الدول العربية والشعوب الإسلامية، وتطويعهم وفق مشيئة وتوجهات ومصالح الغرب الامبريالي، وبالتالي ما يحق لإسرائيل لا يحق للدول العربية أو لإيران او تركيا، وإن كان نتيجة لأسباب موضوعية مختلفة تمكنت باكستان من الإفلات من قيود الغرب في لحظة استثنائية من الصراع، وبنت القنبلة النووية.
وإذا توقفنا امام اللحظة السياسية الراهنة بعد فتح أبواب الصراع على إيران الفارسية، التي اشعلت فيها حكومة بنيامين نتنياهو النيران فجر الجمعة 13 حزيران / يونيو الماضي، بعد ان حصلت على الضوء الأخضر من إدارة الرئيس ترمب، الذي كان اعطى القيادة الإيرانية فرصة 60 يوما للمفاوضات، وبعد ان خيب المرشد علي خامئني وفريقه الحاكم حسابات الرئيس الأميركي ورفضهم الاستسلام للإملاءات الأميركية الإسرائيلية، والتخلي عن البرنامج النووي، او وقف تخصيب اليورانيم، مما دعاه لإشهار سيف الحرب على الجمهورية الإسلامية، عندما اعلن وقف المفاوضات معها، وهدد وتوعد الشعب الإيراني بعظائم الأمور، وأطلق يد نتنياهو، الذي كان حلم حياته ضرب المفاعلات النووية الإيرانية وهو ما حصل في نطنز واصفهان وفوردو، وأن لم يؤثر حتى الان في قدراتها بالمعنى الحقيقي. وحتى أول أمس الاثنين 16 يونيو الحالي اثناء مشاركته في اعمال قمة الدول السبع، دعا ترمب سكان طهران ال15 مليون انسان لمغادرتها، وعمق موقفه أمس الثلاثاء 17 يونيو في تصريح للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية عائدا من القمة السباعية الى واشنطن وفق وكالة “رويترز”، أن ما يريده “رضوخ كامل” من ايران، وأضاف لا أتطلع الى وقف إطلاق النار، نتطلع الى نهاية حقيقية للصراع، أي استسلام ايران.
وبالعودة الى رسالة المقال المتعلق بنقاط القوة والضعف، فإن لوحة الصراع أكدت الاتي: أولا إسرائيل حققت المفاجأة بالضربة العسكرية الأولى، مما اربك القيادة الإيرانية على اكثر من مستوى وصعيد، باغتيال العديد من القيادات العسكرية والعلمية، وتدمير جزءً من المواقع العسكرية؛ ثانيا تفوق إسرائيل في المجال الجوي، والسيطرة الكاملة على الجو، حتى بات مفتوحا أمامها دون اية قيود حتى الان؛ ثالثا التفوق السيبراني وامتلاك الأسلحة الجوية والبحرية الأكثر حداثة في التدمير من أسلحة الدمار الشامل؛ رابعا وقوف الولايات المتحدة والغرب عموما الى جانب إسرائيل، ومنحها صك مفتوح لضرب المنشآت والسكان المدنيين الإيرانيين واغتيال العلماء بذريعة “حق إسرائيل بالدفاع عن النفس”، ليس هذا فحسب، بل ان كل الدول أرسلت المزيد من الأسلحة لإسرائيل والتصدي لطائرات ايران المسيرة وصواريخها الباليستية، وكذلك فعلت باقي دول الإقليم؛ خامسا الأهم تدخل الإدارة الأميركية في الحرب معها، وان ادعى ترمب ان بلاده لم تتدخل، وهذا غير صحيح؛ سادسا تمكن إسرائيل من الاختراق الأمني الكبير للمؤسسات الأمنية والعسكرية والعلمية ونصب قواعد اطلاق طائرات مسيرة من داخل ايران ضد المصالح الايرانية.
واما إيران فإنها تتميز بنقاط القوة التالية: أولا انها شعب اصلاني تاريخي في جغرافيا الإقليم، ويزيد عدد سكانها عن 90 مليون نسمة، سكان طهران العاصمة يزيد عن 15 مليون نسمة، أي ضعف سكان إسرائيل، الدول الطارئة واللقيطة في الإقليم، والتي لا جذور تاريخية لها؛ ثانيا تمكنت من امتصاص الضربة الأولى القوية، والتقاط أنفاسها بالرد مساء اليوم الأول من الصراع (الجمعة)؛ ثالثا تفوقت في اطلاق الصواريخ الباليستية على إسرائيل، وأصابت مواقع عسكرية وعلمية حساسة، رغم كل القيود المفروضة عليها؛ رابعا مساحة إيران مليون و600 الف كيلومتر مربع يسمح لها بتحمل الضربات والمناورة لفترة زمنية كبيرة من الوقت، في حين ان مساحة فلسطين التاريخية لا يزيد عن 27 الف كيلو متر مربع، وهي مساحة ضيقة جدا؛ خامسا مع تزايد صمود ايران في مواجهة الضربات الإسرائيلية الأميركية تستطيع فتح أبواب توسيع الحرب بحيث تشمل دخول دول أخرى. لا سيما وان الاشتراك الرسمي الأميركي في الحرب يفتح الطريق لانخراط اقطاب أخرى. لا سيما وان الحرب على قطب من إقليم الشرق الأوسط يدخل مباشرة في التأثير على مستقبل بناء عالم متعدد الأقطاب، ويضع دول البريكس أمام معضلة حقيقية في أن تشكل قطبا عالميا مؤثرا في صناعة القرار السياسي العالمي، أو ان تندثر وتغيب شمسها؛ سادسا سرعة المرشد في ملئ الفراغ القيادي العسكري والعلمي والسياسي.
بالمحصلة ان واشنطن لن تسمح بانتصار إيران، ولا حتى ان تتعادل مع كفة إسرائيل، وتحافظ على مفاعلاتها النووية، وعليها ان تستسلم وفق تصريح الرئيس الأميركي ال47، ولا اعتقد ان ذلك حتى الان يمكن ان يحدث، وبالتالي هناك مساحة من الوقت لحدوث تحول نوعي في مسار الصراع وتداعياته.