إيران وإسرائيل: هل نشهد تصعيدًا سريعًا أم إعادة تحديد لقواعد المواجهة؟

إيران وإسرائيل: هل نشهد تصعيدًا سريعًا أم إعادة تحديد لقواعد المواجهة؟

أمد/ في مشهد يشي بتغيرات جذرية في قواعد اللعبة بالشرق الأوسط، تتوالى الضربات العسكرية بين إسرائيل وإيران بوتيرة غير مسبوقة، مما ينذر بتحولات عميقة في موازين القوى الإقليمية والدولية. فبعد سنوات من المواجهة غير المباشرة، جاء التصعيد الحالي ليكشف عن جرأة الطرفين في اختبار حدود الآخر، لا سيما بعد الضربات المباشرة التي تبادلاها خلال الأسابيع الماضية.

◐ عودة إلى الاشتباك المباشر

لم يكن التصعيد الأخير مجرد فصل جديد في الحرب بالوكالة التي اعتادتها المنطقة، بل مثّل انتقالًا صريحًا إلى الاشتباك المباشر، مع غارات إسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية، وردود إيرانية مكثفة استهدفت العمق الإسرائيلي. لأول مرة منذ عقود، بات الطرفان يعلنان عن ضربات متبادلة على أراضيهما، في رسالة واضحة مفادها أن زمن الغموض الاستراتيجي قد انتهى.

◐ التحول في الحسابات الإقليمية

ما يلفت الانتباه هو تبدل الحسابات التقليدية لكلا الطرفين.

إسرائيل التي لطالما اكتفت بضربات خاطفة داخل سوريا ولبنان ضد ما تعتبره أذرعًا إيرانية، اختارت هذه المرة الذهاب مباشرة نحو طهران.

أما إيران، التي طالما اكتفت بردود محدودة عبر حلفائها في المنطقة، فقد لجأت إلى هجمات صاروخية ومسيّرات تستهدف المدن الإسرائيلية نفسها.

هذا التحول يضع المنطقة أمام مرحلة جديدة، يُعاد فيها تعريف الخطوط الحمراء وحدود الردع المتبادل.

◐ دور القوى الكبرى: غياب أم حياد محسوب؟

في هذا التصعيد، بدت الولايات المتحدة أكثر ميلاً إلى دعم إسرائيل دون الانخراط المباشر في المواجهة، في حين حرصت روسيا والصين على ضبط النفس والدعوة إلى التهدئة، ربما إدراكًا منهم بأن أي تصعيد شامل قد يخرج عن السيطرة ويهدد مصالحهم. وهذا يكشف أن الصراع الحالي ليس فقط عسكريًا، بل هو اختبار دقيق لموقع كل قوة دولية في خارطة الصراع الإقليمي.

◐ مخاطر التصعيد على المنطقة

إذا استمر هذا النمط من الضربات المتبادلة، فسيكون لذلك انعكاسات مقلقة:

انهيار الاتفاقيات الأمنية الهشة بين الأطراف الإقليمية.

فتح جبهات إضافية في لبنان، سوريا، وربما العراق واليمن.

ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا في ظل تهديد خطوط الملاحة البحرية، لا سيما في الخليج العربي والبحر الأحمر.

عودة موجة الاستقطاب الطائفي والسياسي داخل عدد من الدول العربية.

◐ هل من مخرج؟

حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك نية لدى الطرفين لخفض التصعيد بشكل جدي. فكل طرف يسعى لإثبات قوة ردعه وكسر هيبة الآخر. لكن، وكما في الكثير من صراعات الشرق الأوسط، قد يأتي التراجع في اللحظة التي يصبح فيها الثمن باهظًا للغاية على الجميع.

التساؤل الحقيقي ليس ما إذا كان التصعيد سيتوقف، بل:
هل سيكون ما بعده كما قبله؟
هل انتهى زمن الحرب الباردة بين الطرفين، وبدأ زمن الاشتباك المفتوح؟
وهل العالم مستعد للتعامل مع منطقة قد تتحول إلى مسرح مواجهة مفتوحة بين قوتين إقليميتين؟

◐ ختاما :

ما يجري بين إيران وإسرائيل اليوم ليس مجرد رد فعل على حادثة أو ضربة، بل هو نتيجة تراكم طويل من الصراع، ومحاولة كل طرف لتثبيت قواعد جديدة للردع والهيمنة. لكن التجارب علمتنا أن الحرب لا تحسم مواقف ولا تصنع سلامًا… بل تفتح أبوابًا أوسع للفوضى.

المنطقة تقف على شفا حفرة، والتحركات القادمة — سواء كانت تهدئة أم تصعيدًا — ستشكل وجه الشرق الأوسط لعقود قادمة.