نتنياهو يعول على مجاهدي خلق واغتيال القادة الإيرانيين: خطة انقلابية فاشلة وتكلفة استراتيجية مرتفعة

نتنياهو يعول على مجاهدي خلق واغتيال القادة الإيرانيين: خطة انقلابية فاشلة وتكلفة استراتيجية مرتفعة

أمد/ في سياق الصراع المفتوح بين إسرائيل وإيران، برز في السنوات الأخيرة ما يمكن وصفه بـ”الاستراتيجية الإسرائيلية لتفكيك النظام الإيراني من الداخل”، وهي سياسة تمثلت في رهان طويل الأمد على منظمة “مجاهدي خلق” كمظلة معارضة قادرة على زعزعة النظام في إيران، مدعومة بمحاولات منظمة ومكثفة لـاغتيال قيادات من الصف الأول في المؤسسات الأمنية والعسكرية الإيرانية.
إلا أن هذا المشروع ـ الذي كانت تسوّقه حكومة بنيامين نتنياهو كأداة حاسمة في منع إيران من التحول إلى قوة إقليمية نووية ـ لم يحقق أهدافه، بل على العكس، أسهم في تسريع تماسك النظام الإيراني، وتعزيز خيارات الرد المباشر، وتوسيع الجبهات المعادية لتل أبيب.
المراهنة على مجاهدي خلق رهان خاسر ضمن مفهوم وهم البديل السياسي
تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصًا تحت قيادة نتنياهو، سياسة تقوم على توظيف منظمة مجاهدي خلق كواجهة معارضة “جاهزة للتصدير”، يمكن الترويج لها لدى الغرب كبديل مدني ديمقراطي للنظام الإيراني القائم.
لكن هذا الرهان تجاهل عدة حقائق جوهرية:
انعدام القاعدة الشعبية للمنظمة داخل إيران، وهناك رفض واسع من قبل أطياف المعارضة الإيرانية الحقيقية (علمانيين، إصلاحيين، قوميين)، الذين يرون في المنظمة جماعة مغلقة ذات طابع طائفي ديني غير ديمقراطي.
علاقتها الاستخبارية المكشوفة مع أطراف أجنبية، مما أسقط عنها أي صفة “وطنية” أو “مستقلة”.وبالتالي، أصبحت مجاهدي خلق ورقة استنزاف استخباري وليس ورقة تغيير سياسي.
اغتيالات الصف الأول: هندسة الانهيار من أعلى
في موازاة الرهان على المعارضة الخارجية، اتبعت إسرائيل ـ وفق تقارير غربية ـ سياسة تهدف إلى تفكيك هرم النظام الإيراني من الأعلى عبر سلسلة اغتيالات نوعية.
ومن أبرز تلك العمليات:
اغتيال الجنرال قاسم سليماني (رغم أن العملية أمريكية، إلا أنها نُفذت بتنسيق إسرائيلي – بحسب مصادر متقاطعة).
اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، أحد أبرز العقول في البرنامج النووي الإيراني.
عمليات استهداف لقيادات في “الحرس الثوري”، ومهندسي الدفاع الصاروخي، في طهران وسوريا.
وفي صبيحة الهجوم على إيران أكد التلفزيون الرسمي الإيراني، صباح الجمعة، تقارير إعلامية تفيد باغتيال عدد من القيادات العسكرية البارزة وعلماء في مجال الطاقة الذرية، وذلك في أعقاب الضربة الجوية المباغتة التي شنتها إسرائيل فجر اليوم ضد العاصمة طهران وعدد من المدن والمحافظات الإيرانية.
ووفقًا لما ورد في التقارير، شملت قائمة القتلى كلًا من:
– اللواء محمد باقري، رئيس أركان الجيش الإيراني
– العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري
– محمد مهدي طهرانجي، رئيس جامعة آزاد الإسلامية
– اللواء غلام علي، قائد مقر خاتم الأنبياء التابع للقوات المسلحة
– فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية
وكانت وسائل إعلام عبرية قد ذكرت في وقت سابق أن الهجوم الإسرائيلي استهدف تصفية قيادات الصف الأول في النظام العسكري الإيراني، بمن فيهم حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، ومحمد باقري، وحاجي زاده.
وفي السياق ذاته، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي العملية العسكرية باسم “قوة الأسد”، وفق ما كشف عنه مسؤول عسكري إسرائيلي لصحيفة إسرائيل تايمز.
وأضاف المسئول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم مسبق بالعملية، دون أن يوضح ما إذا كان هناك تنسيق مباشر أو دعم لوجستي من الجانب الأمريكي.
الهدف الاستراتيجي كان واضحًا:
إرباك بنية القرار الإيراني، وخلق فراغ قيادي يؤدي إلى تصدعات داخلية وربما انقلاب أو تمرد نخبوي من داخل النظام.
لكن النتائج جاءت عكسية:
هذه الاغتيالات عززت من تماسك النظام، ورفعت منسوب التعبئة الجماهيرية، وسوّغت لإيران خيار الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، خصوصًا في ظل احتضان شعبي واسع لفكرة “الرد على إسرائيل” بدل الانشغال بصراعات داخلية.
الثمن الباهظ: إسرائيل تدفع فاتورة الاستراتيجيات الفاشلة
اليوم، في ظل الحرب الشاملة الممتدة من غزة إلى الجولان فجنوب لبنان والعراق واليمن، تعيش إسرائيل أكبر أزمة استراتيجية منذ تأسيسها. ويبدو واضحًا أن جزءًا مهمًا من هذه الأزمة مرتبط بفشل رهانات نتنياهو السابقة على إسقاط النظام الإيراني عبر أدوات خارجية.
تشمل نتائج هذا الفشل:
سقوط خيار “تغيير النظام” من الحسابات الواقعية.
انتقال إيران إلى الرد العسكري العلني والمباشر، كما حدث في هجوم نيسان 2024 غير المسبوق.
توسيع جبهات القتال إلى محيط إسرائيل المباشر، مما أدخلها في حرب استنزاف متعددة الوجوه.
تآكل صورة الردع الإسرائيلي، مع دخول إسرائيل في حالة دفاعية واحتلال طويل في غزة، وتهديد دائم في الشمال والشرق
لم يحدث انقلاب في طهران. لم تنهَر المؤسسة الحاكمة. لم يخرج الإيرانيون إلى الشوارع لإسقاط النظام كما كانت تأمل تل أبيب.
لكن ما حدث فعليًا هو انكشاف الرؤية الإسرائيلية الاستراتيجية، وفقدان الأمل في إمكانية تفكيك النظام الإيراني دون مواجهة مباشرة، وهو ما يجعل إسرائيل اليوم في قلب معركة وجودية مفتوحة مع محور إقليمي لا يمكن عزله أو تفكيكه بالضربات الانتقائية أو الأحلام الانقلابية