تحليل لموقف الشعب الفلسطيني والحكومة من التصعيد بين إسرائيل وإيران

أمد/ التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران والذي يدور رحاها في فلسطين، عكس صداه بقوة في الداخل الفلسطيني، بين فرحة شعبية بالضربات التي تلقتها إسرائيل من طهران، وحياد رسمي، خاصة من السلطة الفلسطينية التي لم تخف في وقت سابق ضيقها من الدور الإيراني المتزايد في الملف الفلسطيني، ولكن هذا لم يمنع تحرك سياسي ودبلوماسي مكثف في الظل.
في قطاع غزة، لم يخف الفلسطينيون شعورهم بالفرح والارتياح بعد الهجمات الإيرانية التي استهدفت مواقع إسرائيلية حساسة. بالنسبة للكثيرين، بدت هذه الضربات بمثابة رد انتقامي على سنوات من العدوان الإسرائيلي، واعتبرت رمزا لتوازن الردع في منطقة لطالما شعرت بفجوة في موازين القوة بالتفوق الاسرائيلي وجبروته.
وفي غزة ايضا، سارعت الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي وحركة المجاهدين، إلى إدانة الضربة الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية، معتبرة أنها عدوان يهدد استقرار المنطقة بأسرها. واعتبرت الرد الإيراني، أنه “حق مشروع” في وجه سياسات الاحتلال العدوانية.
ورغم الحفاوة الإعلامية، حافظت تلك التنظيمات على مستوى معين من التوازن، دون إعلان انخراط مباشر أو تصعيد ميداني في أعقاب الضربات المتبادلة.
أما السلطة الفلسطينية، فقد اتخذت موقفا أكثر تحفظا وحذرا. ورغم التزامها الصمت الرسمي إلى حد كبير، وهو ما يعكس حالة من الاستياء داخل القيادة الفلسطينية تجاه التدخلات الإيرانية في الشأن الفلسطيني، والتي تعتبرها رام الله محاولة لتقويض الشرعية الفلسطينية وتحويل ملف غزة إلى أداة في يد طهران.
ويذكر أن السلطة كانت قد وجهت سابقا رسائل تحذيرية مباشرة وغير مباشرة إلى إيران، دعتها فيها إلى الكف عن دعم بعض الفصائل الفلسطينية بطريقة تعمق الانقسام الداخلي، وتضعف الموقف الفلسطيني الموحد. وتعتبر القيادة أن تدخل إيران في الملف الفلسطيني ليس نابعا من حرص على القضية، بل من رغبة في توظيفها ضمن أجندة إقليمية أوسع.
وبحسب مصادر دبلوماسية، أجرى مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتصالات مع عدد من العواصم، بينها القاهرة والدوحة وعمان، في محاولة لضمان تحييد الساحة الفلسطينية عن هذا التصعيد الإقليمي. وتحرص السلطة على إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع الفاعلين الدوليين، بهدف حماية المسار السياسي المتعثر، ومنع تحول الأراضي الفلسطينية إلى ساحة صراع بين المحاور.
من آثار هذا التصعيد، تعثر مفاوضات التهدئة في غزة، والتي كانت في مراحل متقدمة برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة. ومع انشغال الأطراف الإقليمية والدولية باحتواء الأزمة الإيرانية–الإسرائيلية، تراجعت أولوية غزة في أجندة الوساطة.
هذا التراجع يقلق كل الأطراف الفلسطينية، حيث أن الأوضاع الميدانية في غزة تتدهور، وتحاول اسرائيل فرض امر واقع بالقطاع، بينما تخشى السلطة من أن تتلاشى فرص تحريك الملف السياسي دوليا خاصة بعد تأجيل مؤتمر نيويورك بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وحل الدولتين في المنطقة الذي كان مقررا في الـ 18 من يونيو الجاري.
وبينما تسعى القيادة الفلسطينية في رام الله إلى الحفاظ على ما تبقى من مسار سياسي، تجد نفسها محاصرة بخطاب شعبي يميل إلى المواجهة، وخارطة إقليمية تتغير بسرعة، دون أن تكون فلسطين في مركز قرارها.