جودة يكتب: نحو اقتصاد أردني قوي ومنافس.. مبادرة المليار دينار لتعزيز الإنتاج المحلي وزيادة تنافسية الصادرات – بقلم: محمد جودة

في زمن التحولات الاقتصادية الكبرى، ووسط تحديات إقليمية ودولية تتطلب وضوحًا في الرؤية وجرأة في التنفيذ، أضع اليوم بين يدي الوطن وأهله اقتراحًا وطنيًا استراتيجيًا، أراه ضروريًا وملحًا في هذا المفترق الاقتصادي: مبادرة لتحفيز الإنتاج الوطني وتعزيز تنافسية الصادرات، برؤية تمويلية متوازنة بقيمة مليار دينار أردني. ليست هذه المبادرة ترفًا فكريًا أو حلماً مثالياً، بل هي ثمرة تأمل عميق في واقعنا، وإيمان راسخ بأن الأردن، بما يمتلكه من كفاءات بشرية وموارد كامنة، قادر على التحول إلى اقتصاد إنتاجي تنافسي، يقوده الإبداع، وتحركه الإرادة الوطنية، ويرتكز على شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع.لماذا الآن؟ ولماذا مليار دينار؟يأتي اقتراحي هذا استجابة لحاجة وطنية ملحة تفرضها التحديات التي نواجهها جميعًا: تراجع فرص العمل، تباطؤ النمو في بعض القطاعات الإنتاجية، ارتفاع الاعتماد على الاستيراد، وضعف التنافسية في الأسواق العالمية. هذه العوامل مجتمعة تتطلب تحركًا شاملاً، جريئًا، ومُخططًا بعناية.المليار دينار التي أقترحها ليست رقمًا عابرًا، بل هي قيمة تمثل استثمارًا نوعيًا في مستقبل الأردن، يتم تمويلها من خلال مساهمات متوازنة ومدروسة من الجهات التالية:• البنك المركزي الأردني• المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي• البنوك المحلية• الشركات الكبرى الوطنيةأربعة محاور… ومصيرٌ وطني مشتركترتكز المبادرة على أربعة محاور رئيسية، تمثل جسور العبور نحو مستقبل اقتصادي أكثر صلابة واستدامة:1. رفع كفاءة وجودة الإنتاج الصناعي والزراعيوذلك من خلال تحديث آليات الإنتاج، ودعم التكنولوجيا المتقدمة، وتشجيع المشاريع التي تدمج بين الابتكار والاحتياجات المحلية.2. دعم المزارع المتخصصة والصناعات الضروريةخصوصًا في القطاعات المرتبطة بالأمن الغذائي والدوائي، مع تعزيز الإنتاج القائم على القيمة المضافة والتكامل بين حلقات الإنتاج والتسويق.3. تحفيز التصدير الأردني وتعزيز تنافسيته عالميًاعبر تسهيلات تمويلية، ودعم لوجستي وتسويقي، وضمانات للصادرات، وتوسيع حضور المنتجات الأردنية في الأسواق الإقليمية والدولية.4. تمكين الكوادر الوطنية بالتدريب التقني والفني المتقدملأن التنمية لا تكتمل دون الإنسان، والكوادر الأردنية أثبتت مرارًا قدرتها على التميز متى ما أُتيح لها التدريب والفرص المناسبة.آلية تنفيذ شفافة… عبر لجنة وطنية مشتركةأقترح تشكيل لجنة وطنية عليا من القطاعين العام والخاص، تتولى تصميم البرامج، وتحديد الأولويات، وتوجيه الاستثمارات، ومراقبة الأداء، والتقييم المرحلي. على أن تضم هذه اللجنة خبراء في الاقتصاد والصناعة والزراعة والتدريب المهني، وتمثل مختلف القطاعات المعنية.هذه اللجنة ستكون القلب النابض للمبادرة، وصمام أمانها، وضامن استمراريتها وفعاليتها.ماذا سنجني من هذه المبادرة؟• نقلة نوعية في الإنتاج المحلي من حيث الجودة والتنوع والكفاءة.• استحداث آلاف فرص العمل المستدامة، خصوصًا في المحافظات.• تقليص العجز التجاري من خلال الحد من الاستيراد وزيادة التصدير.• تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في بيئة الأعمال الأردنية.• إعادة صياغة الهوية الاقتصادية للأردن كدولة إنتاجية لا استهلاكية.الأردن… يستحق أن يكون نموذجًانعم، أؤمن أن الأردن يستحق أن يكون نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا في محيطه العربي، إذا ما أُتيحت له الأدوات الصحيحة والدعم الكافي. نحن لا نفتقر إلى العقول، ولا نعاني من نقص في الإرادة، لكننا نحتاج إلى تخطيط جاد، وتمويل وطني شجاع، وإدارة تعتمد الشفافية والكفاءة لا البيروقراطية.هذه المبادرة ليست نهاية الطريق، بل هي بدايته. هي دعوة لتغيير النظرة إلى الاقتصاد، من اقتصاد قائم على المساعدات والدين، إلى اقتصاد يقوم على الإنتاج والتنافسية والاستدامة.كلمتي إلى صناع القرار وأبناء وطنيهذه فرصة حقيقية، ونافذة مفتوحة على المستقبل. أدعو من خلالها كل الجهات المعنية أن تتلقف هذه الفكرة، وتعمل على تحويلها إلى برنامج وطني شامل. فكل يوم نتأخر فيه عن دعم الإنتاج، هو يوم نخسره من مستقبلنا.المبادرة بين أيديكم، ومسؤولية النهوض بالاقتصاد الأردني مسؤوليتنا جميعًا.