الرصاصة صادقة، ولكن الإعلام الإسرائيلي يخفي الحقائق! ـ بقلم: د. محمد القرعان

في خضم المواجهات العسكرية التي خاضها الاحتلال الإسرائيلي، سواء في عدوانه الأخير على قطاع غزة أو في الاشتباك غير المباشر مع إيران، تكشّف مرة أخرى الوجه الحقيقي للإعلام الإسرائيلي، الذي يمارس التعتيم والتضليل وتزييف الأرقام، في محاولة مكشوفة لطمس الحقائق وتوجيه الرأي العام الداخلي والدولي حسب ما يخدم أجندته الأمنية والسياسية.فمنذ الساعات الأولى للحرب على غزة، بدا الإعلام الإسرائيلي مسيطرًا عليه أمنيًا، يدار بتنسيق تام مع المؤسسة العسكرية، ويخضع لرقابة مشددة تمنع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من الوصول إلى المعلومة أو تغطية الأحداث بحرية. إذ تُفرض “الرقابة العسكرية” بشكل صارم، ويتم توزيع الأخبار وفق رواية موحدة هدفها التقليل من الخسائر، ورفع معنويات الجمهور الإسرائيلي.تكررت ذات المعادلة في الحرب الظلية مع إيران، حينما تم الإعلان عن إسقاط طائرات بدون طيار واستهداف منشآت عسكرية. ولكن المتابع المحايد يلاحظ أن الرواية الإسرائيلية تفتقر إلى الشفافية، وتقوم بتضخيم إنجازات عسكرية مشكوك بها، مقابل التهوين من حجم الخسائر، أو تجاهلها بالكامل.إن التضليل لا يتوقف عند حجب المعلومات، بل يمتد إلى استخدام مصطلحات ومفردات إعلامية مقصودة، كإظهار العدوان على غزة كـ”عملية عسكرية دفاعية”، أو وصف الرد الإيراني بـ”استفزاز عديم التأثير”، في الوقت الذي تؤكد فيه الوقائع أن صواريخ المقاومة الفلسطينية وصلت إلى عمق إسرائيل، وأن الهجمات الإيرانية أربكت منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية.ومع غياب الإعلام الحر والناقد داخل إسرائيل، تُترك الساحة لصوت واحد يكرّس رواية المؤسسة الأمنية، بينما يتم تهميش الصحفيين المستقلين، ومنع التغطيات الميدانية التي قد تفضح حجم الدمار والخسائر. بل إن بعض التحقيقات التي نشرت لاحقًا، كشفت عن أعداد قتلى أعلى بكثير مما تم الإعلان عنه رسميًا، مما يثير تساؤلات عميقة حول مصداقية الإعلام الإسرائيلي ومهنيته.إن هذا التعتيم المتعمد لا يخدم فقط التغطية الإعلامية الإسرائيلية، بل يشكل أداة سياسية بيد صناع القرار، يستخدمونها لإدارة الرأي العام، والتغطية على الفشل العسكري، أو تأجيل مواجهة داخلية محتملة مع جمهور بدأ يفقد الثقة بالمؤسسة الأمنية بعد سلسلة من الإخفاقات.ختامًا، فإن من واجب الإعلام العربي والدولي أن لا يكتفي بالرواية الإسرائيلية، بل أن يعمل على كشف الحقائق، وتقديم تغطيات ميدانية مستقلة، تكشف حجم الخسائر، وتفضح سياسات التضليل، احترامًا لحق الشعوب في المعرفة، وانتصارًا للحقيقة في وجه الدعاية السوداء.