إبراهيم يسلط الضوء: مؤتمر مستقبل البحث العلمي.. خطوة استراتيجية نحو التقدم والابتكار.. هل من مهتم؟ ـ بقلم: الأستاذ الدكتور ماجد محمود إبراهيم

إبراهيم يسلط الضوء: مؤتمر مستقبل البحث العلمي.. خطوة استراتيجية نحو التقدم والابتكار.. هل من مهتم؟ ـ بقلم: الأستاذ الدكتور ماجد محمود إبراهيم


في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي والمعرفي، يبرز البحث العلمي كحجر الزاوية في بناء الاقتصادات القائمة على المعرفة، والتميز العالمي. وفي هذا السياق، نجد أن الأردن يخطو خطوات جادة نحو إعادة هيكلة منظومة البحث العلمي، انطلاقاً من إيمان القيادة بأهميته كأداةٍ استراتيجية للتنمية المستدامة، وليس مجرد نشاط أكاديمي هامشي. وفي مراقبتي لمحتوى المؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا تحت عنوان “واقع البحث العلمي وأثره على الاقتصاد الوطني” أجد أن المؤتمر يتضمن عناوين حقيقة لمرحلة جديدة من البحث العلمي، والتوجيها التي بدأت بترأس سمو الأمير الحسن بن طلال لهذا المؤتمر، وبمشاركة نخبةٍ من الخبراء وصناع القرار، وعلى رأسهم سمو الأميرة سمية بنت الحسن، تمثل نموذجاً للريادة في دعم العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي. وبالتالي، المؤتمر يعتبر حقيقةً نقلة نوعية في مفهوم البحث العلمي، فلم يعد البحث العلمي ترفاً يُضاف إلى سجل الجامعات، بل تحول إلى مطلب وطني يمسّ صميم الأمن القومي، من خلال تأثيره المباشر في قطاعاتٍ حيوية مثل المياه والطاقة والزراعة. وقد أكد سمو الأمير الحسن بن طلال على هذه الرؤية بقوله: “الدول التي تستثمر في البحث العلمي لا تكتفي باللحاق بالركب، بل تقوده”، وهو ما يضع الأردن أمام فرصة تاريخية لتحويل جامعاته إلى مراكز بحثية تُسهم في حل المشكلات المحلية والإقليمية. ولعلّ نقل صندوق دعم البحث العلمي والابتكار إلى المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا يمثل خطوة محورية في هذا المسار، إذ يعكس إرادةً حقيقية لتبسيط آليات التمويل، وضمان توجيه الموارد نحو المشاريع ذات الأولوية الوطنية، بعيداً عن التشتت والبيروقراطية التي طالما أعاقت الإنجاز وهذا ما نأمله بوجود إدراة وقامة علمية ممثلة بشخصية وطنية كالأستاذ الدكتور مشهور الرفاعي.وهنا لابد أن أذكر دور الجامعات التي تعتبر شريك أساسي في قيادة التحول فلا يمكن فصل البحث العلمي عن التعليم العالي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. فوفقاً لقاعدة بيانات (Scopus) فإن مساهمة الجامعات والمراكز البحثية الأردنية من الأنتاج البحثي العالمي بلغ حوالي 0.2%، وهي نسبة مرتفعة نسبيًا مقارنة بحجم السكان والناتج المحلي. لذا اذا كانت الجامعات تُعدّ الحاضنة الطبيعية للباحثين، فإنّ عليها اليوم أن تنتقل من دورها التقليدي في نقل المعرفة إلى دورٍ أكثر فاعلية في إنتاج المعرفة وتسخيرها لخدمة المجتمع. وهذا يستدعي إعادة النظر في أولويات البحث العلمي، وتعزيز للشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي إذ أنه أقل من 10% من الأبحاث تُترجم إلى مشاريع تطبيقية أو شراكات مع القطاع الخاص (وفقًا لتقارير المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا). وذلك لضمان ألا تبقى الأبحاث حبيسة الأدراج، بل تتحول إلى منتجات وخدمات تُسهم في تنشيط الاقتصاد.ورغم ما تقدم من تفائل في هذه التحول هناك تحدياتٌ يجب تجاوزها وفرصٌ يجب استثمارها، وصعوبات يجب الإعتراف بها فرغم الإيجابيات الكبيرة التي حملها المؤتمر، إلا أن الطريق نحو بحث علمي فاعل لا يخلو من عقبات. فأزمة التمويل المزمنة، وغياب التشريعات الداعمة، وعدم وجود آلية واضحة لربط مخرجات البحث بالصناعة، كلها تحديات تحتاج إلى حلول جذرية. وفي المقابل، فإن الفرص المتاحة كبيرة، خاصة في ظلّ التوجه العالمي نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، مما يتطلب من الأردن أن يركّز على بناء قدرات الباحثين في هذه المجالات، مع الحفاظ على هويته البحثية التي تُعنى بالاحتياجات المحورية للمنطقة، مثل أمن المياه والغذاء.ورسالتي في هذا المقام إلى صناع القرار وزملائي الباحثين معاً إن التحوّل في البحث العليم هو مشروع وطني يتطلب جهد جماعي فعلى صناع السياسات أن يضمنوا بيئة تشريعية داعمة، مع زيادة موازنات البحث والتطوير. وعلى الجامعات أن تعيد هيكلة برامجها لتعزيز الجانب التطبيقي وسياساتها البحثية سواء إتجاه تحفيز الباحث وتوفير بيئة ملائمة أم إتجاه القطاع الصناعي وبحث سبل التعاون الحقيقة، وتشجيع الابتكار. أما الباحثون، فمطالبون بالانتقال من “النشر لهدف النشر” إلى البحث الذي يترك أثراً ملموساً على الأرض. وكما قال سمو الأمير الحسن : “الباحث ثروة وطنية”، وهو ما يستدعي تحويلهم إلى شركاء حقيقيين في صنع المستقبل.إن نجاح هذه المؤتمر النجاح مرهون بالتنفيذ الفعّال حتى لا يصبح كباقي المؤتمرات. فدمج الصندوق مع المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، وإطلاق أولويات البحث للعقد القادم، وتشجيع الشراكات بين الأكاديميا والصناعة، كلها إجراءات ستظل حبراً على ورق إن لم تُترجم إلى خطة عمل واضحة، مع مؤشرات أداء دقيقة. والأردن، بقيادته الواعية وطاقاته الشبابية الواعدة، قادرٌ على أن يجعل من البحث العلمي قصة نجاح تُضاف إلى إنجازاته، شرط أن يبقى الجميع صُنّاع قرار، جامعات، باحثين، وقطاعاً خاصاً على قلب رجل واحد شعاره (إن المعرفة هي سبيلنا إلى السيادة والنهضة)