القصير يكتب: الأنصار وجهود الأردنيين: من هجرة النبوة إلى مسيرة الوفاء – تأليف سيف جرير القصير

في كل مرة تُطلّ علينا ذكرى الهجرة النبوية، تستيقظ فينا مشاعر الانتماء والوفاء، لا لمجرد حدث تاريخي، بل لمسار حياة غيّر وجه الأرض، ومسيرة قيادة نبويّة جمعت بين الإيمان والعمل، وبين الرحمة والحزم، وبين الغاية والوسيلة. وإنّ التأمل في تفاصيل الهجرة يُشبه التطلع في وجه الأردن اليوم، بحبّه، ووفائه، واستقراره، واحتضانه لكل من لجأ إليه، كما احتضنت المدينة رسول الله ﷺ.لقد وقف الأنصار في المدينة موقفًا عظيمًا ستظلّ الأجيال تردّده، آووا ونصروا وواسوا وبذلوا، حتى قال الله تعالى فيهم: “والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم…”، وهكذا وقف الأردنيون عبر التاريخ، سواعد فتية وقلوب مؤمنة، ففتحوا قلوبهم قبل بيوتهم، واستقبلوا أحرار العرب والمظلومين واللاجئين، وضربوا مثالًا فريدًا في الكرم والإيثار والانتماء.ولم يكن المسجد النبوي حينها مجرد موضع صلاة، بل كان محور المجتمع، ومنطلق القرار، ومنبر الوعي، ومدرسة بناء النفوس. واليوم، ونحن نرى المساجد في أردنّنا تواصل أداء رسالتها من خلال العلماء والدعاة والبرامج والأنشطة، فإننا لا نملك إلا أن نشكر وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، التي لا تألو جهدًا في تعزيز دور المسجد وحضوره، وتثبيت رسالته الجامعة في إصلاح الفرد والمجتمع.وكما احتضنت المدينة المنورة المهاجرين والأنصار، وتعايش فيها الأوس والخزرج، واليهود والمسلمون، ووُضعت أول وثيقة مدنية تضمن الحقوق وتؤسس للعدل، فإن أردننا العزيز لا يزال أنموذجًا راقيًا للتعايش بين مختلف مكوناته، مسلمين ومسيحيين، شراكسة وشيشانًا، بدوًا وحضرًا، إذ يجمعنا دستور، وتحكمنا هوية، وتوحدنا راية لا تنكسر.وما كان لهذا البناء أن ينهض إلا بقيادة، وكان القائد في المدينة هو الحبيب محمد ﷺ، الذي قاد المرحلة بأناة النبي، وحكمة القائد، ورؤية المصلح. وفي أردننا، فإن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الوارث لنهج الهاشميين، لا يزال يُجسّد هذا النهج في قيادة الدولة، والتعبير عن ضمير الأمة، والدفاع عن المقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، تحت الوصاية الهاشمية المباركة، التي لم تكن شعارًا بل موقفًا، ولم تكن مجرد كلمات، بل دمًا ونضالًا.وإننا في هذه الذكرى العطرة، نُجدّد عهد الوفاء والانتماء، ونقف سدًا منيعًا خلف قيادتنا الهاشمية، ونرفع أكفّ الدعاء أن يحفظ الله أردننا، ويحمي مليكنا المفدى، ويعينه ويسدّده، كما أعان الله نبيَّه ﷺ يوم خرج مهاجرًا، وفي قلبه نور الرسالة، وفي دربه أمل الأمة.