الجامعة العربية ترد على الاعتداء الإسرائيلي في سوريا بدعوى حماية الدروز.

تحركات عاجلة لوزراء الخارجية العرب لدعم وحدة وسيادة سوريا
جاءت أحداث محافظة السويداء لتكشف عمق الأزمات والتحديات التى تواجهها الدولة السورية، وتشابك كل ما هو داخلى مع الأوضاع الإقليمية، وسعى أطراف خارجية لتعميق الأزمات واستغلالها فى تحقيق مكاسب على حساب الشعب السورى الشقيق، وهو ما يتضح من تحركات الاحتلال الإسرائيلى وتدخله فى أزمة السويداء، وهو ما استوجب تحركا عربيا سريعا لمجابهة الخطر المتربص بوحدة الشعب السورى وسيادة مؤسسات الدولة على كامل أراضيها.
دعم وحدة الأراضى السورية
أصدر وزراء خارجية: مصر والأردن والإمارات والبحرين وتركيا والسعودية والعراق وعمان وقطر والكويت ولبنان، بيانا مشتركا بشأن الأوضاع فى سوريا، خلال محادثات الوزراء المكثفة مؤخرا فى إطار الموقف الواحد والجهود المشتركة لدعم الحكومة السورية فى جهود إعادة بناء الدولة على الأسس التى تضمن أمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها وحقوق كل مواطنيها.
وأعرب الوزراء فى بيانهم عن الترحيب بالاتفاق الذى أنجز لإنهاء الأزمة فى محافظة السويداء، والتأكيد على ضرورة تنفيذه، حماية لسوريا ووحدتها ولمواطنيها، وبما يحقن الدم السورى ويضمن حماية المدنيين وسيادة الدولة والقانون.
كما رحبوا بالتزام الرئيس السورى أحمد الشرع بمحاسبة كل المسؤولين عن التجاوزات بحق المواطنين السوريين فى السويداء، ودعم كل جهود بسط الأمن وسيادة الدولة والقانون فى المحافظة، وفى جميع الأرض السورية، ونبذ العنف والطائفية ومحاولات بث الفتنة والتحريض والكراهية.
وأدانوا الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجمهورية العربية السورية، معربين عن رفضها باعتبارها خرقا فاضحا للقانون الدولي، وإعتداء سافرا على سيادة سوريا.. يزعزعان أمنها واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها ومواطنيها، ويقوض جهود الحكومة السورية لبناء سوريا الجديدة بما يحقق تطلعات وخيارات شعبها الشقيق، مشددين على أن أمن سوريا واستقرارها ركيزة للأمن والاستقرار الإقليميين وأولوية مشتركة.
ودعوا المجتمع الدولى إلى دعم الحكومة السورية فى عملية إعادة البناء، مطالبين مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لضمان انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضى السورية المحتلة، ووقف جميع الأعمال العدائية الإسرائيلية على سوريا، والتدخل فى شؤونها، وتطبيق القرار ٢٧٦٦ واتفاقية فض الاشتباك لعام ١٩٧٤.
إعتداءات إسرائيلية
شهد إجتماع وزير الخارجية المصرى بدر عبد العاطى مع نظيره السعودى فيصل بن فرحان فى مدينة العلمين، تأكد الجانبين على إدانتهما للإعتداءات الإسرائيلية على سوريا وإنتهاك سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وأكدا على ضرورة إنسحاب إسرائيل من الأراضى السورية كافة بما فيها هضبة الجولان.
ومن جهه أخرى، أجرى الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودى إتصالا هاتفيا بوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ماركو روبيو، وأكد خلال الاتصال على إدانة المملكة للإعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية العربية السورية، وتدخلاتها فى الشؤون الداخلية السورية، وشدد على أهمية احترام استقلالها وسيادتها وضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها، وتضافر الجهود لدعم إجراءات الحكومة السورية لتحقيق الأمن وبسط سيادة القانون على كامل أراضيها بما يحفظ وحدة سوريا ويحقق سلمها الأهلي.
إنتهاك للقانون
أدانت جامعة الدول العربية الغارات التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على سوريا، بما فى ذلك تلك التى طالت مقر هيئة الأركان فى دمشق ومحيط القصر الرئاسي، واعتبر ت أن هذه الغارات تمثل اعتداءا صارخا على سيادة دولة عربية عضو فى الجامعة وفى منظمة الأمم المتحدة، بما يمثل إنتهاكا للقانون الدولى واستهانة بقواعد النظام الدولي، وأكدت على أن الهجمات الإسرائيلية تمثل بلطجة لا يمكن للمجتمع الإقليمى أو الدولى القبول بها أو تمريرها، ويتعين وقفها فوراً، لأن غارات الاحتلال تستهدف زرع الفوضى فى سوريا مستغلة فى ذلك بعض الأحداث التى وقعت مؤخرا فى محافظة السويداء، والتى أدانتها السلطات السورية نفسها ووصفتها فى بيان لها بـ الأعمال المشينة، وتعهدت بالتحقيق فيها، وتوقيع الجزاء على من يثبت إرتكابه لأية انتهاكات أو مخالفات، معربة عن كامل تضامنها مع سوريا إزاء تلك الهجمات الإسرائيلية، مناشدة الحكومة العمل بسرعة على نزع فتيل الفتنة، ومعالجة الإحتقانات القائمة عبر الحوار والعمل على إحتواء كافة مكونات الشعب السورى فى الإطار الوطنى.
ميليشيات وعشائر
الجدير بالذكر أنه منذ منذ منتصف يوليوالحالى تصاعدت الخلافات بين ميليشيات درزية وعشائر بدو سنية، على خلفية خطف متبادل وتوترات طائفية، وأسفرت الاشتباكات عن مئات القتلى والجرحى وتشريد حوالى 87 ألف شخص داخل وخارج المحافظة.
وتدخل الجيش السورى وأعلن الرئيس أحمد الشرع وقف إطلاق النار فورا، وتنفيذ هدنة على مستوى البلاد، وأرسل قوات أمن داخلى لتهدئة الأمور، إلا أن تلك القوات أتهمت بإنتهاكات خلال إنتشارها قبل أن تنسحب تدريجيا، وأثناء ذلك نفذت إسرائيل سلسلة غارات على مواقع لحكومة دمشق، بحجة حماية أقلية الدروز، واستهدفت مواقع قرب السويداء ودمشق، وسط تهديدات من نتنياهو بتوسيع تدخلها إذا استمر تهديد الدروز، وبدعم أمريكى تركى أردنى تم الإتفاق على وقف إطلاق النار مع بقاء انتشار أمنى محدود من الجيش لمدة 48 ساعة بإذن إسرائيلي.. إلا أن الإشتباكات تجددت مرة اخرى، ولم تنتهى.. بل تطورت لتصبح اشتباكات مسلحة على خلفيات طائفية واجتماعية، وتحولت إلى مواجهة بين قبائل دروز وبدو.
وبذلك لا تزال التوترات موجودة والمخاوف طائفية واضحة والتهديد لعودة العنف مازال قائما، أما مسار التطورات القادم فمرتبط بموقف إسرائيل ومدى نجاح الوساطة الإقليمية والدولية وقدرة السلطات المحلية على إيقاف التدهور.
طموحات إسرائيلية
لا شك فى أنه ما يجرى فى الجنوب السورى لا يمكن فصله عن الطموحات الإسرائيلية المعلنة التى لطالما سعت إلى خلق (منطقة آمنة) كما تردد على حدودها الشمالية، تتجاوز مجرد السيطرة على الجولان المحتل، فإسرائيل التى ضمت الجولان رسميا فى الثمانينات وكرس ذلك إعتراف أمريكى فى عهد ترامب خلال ولايته الأولى.. بدأت تلمح فى السنوات الأخيرة إلى أن حدودها الأمنية يجب أن تمتد داخل العمق السورى فى ظل ما تسميه (الخطر الإيرانى المستمر وضعف الدولة السورية)، وفى هذا السياق لا تخفى إسرائيل إهتمامها المتزايد بالسويداء والدروز تحديدا، فالعلاقة بين الجانبين تاريخية ومعقدة تعود إلى زمن الإنتداب الفرنسي، وتجد تجلياتها اليوم فى محاولات تل أبيب إستمالة بعض شخصيات الطائفة الدرزية داخل الجولان المحتل، بل وسعت أحيانا إلى تقديم نفسها كضامن لأمن الأقليات فى سوريا فى خطابها الدولي، كما أن الإحتجاجات المتصاعدة فى السويداء وتآكل قبضة النظام السورى على المحافظة تفتح شهية تل أبيب للعب دور خفى أو حتى علنى فى رسم مستقبل هذه المنطقة.
توسيع نفوذ
وصف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الوضع قائلا إن إسرائيل تنظر إلى الجنوب السورى كمنطقة عازلة طبيعية، وإستمرار الفوضى يمنحها مبررا لتوسيع نفوذها الأمني، وربما السياسى لاحقا.
أما الجنرال الإسرائيلى السابق عاموس يادلين فوصل إلى أبعد من ذلك، حيث قال: (نحن بحاجة لمزيد من العمق الإستراتيجى داخل سوريا، والسويداء تشكل خاصرة رخوة ويجب ألا نتركها لإيران أو الفوضى).
السويداء.. ضحية وأداة
يراهن النظام السورى على سياسة الإنهاك والإحتواء البطيء فى تعامله مع عدد من الأزمات الداخلية، ويحذر محللون من تبعات ترك الجنوب يغلى دون معالجة، حيث أن الوضع فى السويداء قد يشكل بداية تفكك داخلى حقيقي، منوهين إلى أن إسرائيل تراقب وتنتظر، والدروز سيكونون ضحية أو أداة فى أى سيناريو تقسيم محتمل، بالإضافه إلى أن إسرائيل تركز الآن على الجنوب، وتستخدم خطاب حماية الأقليات لتبرير التوسع، أما الرئيس السورى فقد بات لاعبا أساسيا لا يمكن تجاوزه رغم تاريخه، أما على الإمتداد الجغرافى السورى فتبدو البلاد مقسمة فعليا.. حتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك رسميا، فالشمال الشرقى بيد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، أما الشريط الحدودى فيقع تحت أعين أنقرة، والجنوب مشتعل بين الاحتجاجات والإشتباكات والقصف الإسرائيلي، وفى الوسط والغرب لا تزال السلطة بيد النظام.. لكنها تتأكل يوما بعد يوم، ووفق تحليل من معهد كارنجى للسلام الدولى فإن الإنقسام داخل سوريا أصبح أمرا واقعا، ولا أحد يمتلك مشروعا وطنيا حقيقيا، وكل طرف يحكم بقوة الأمر الواقع.