محمود فؤاد: ثمار الثورة في مجال الصحة نالت اعترافات دولية

التأمين الصحى الشامل كان مشروعا أقرب لحلم لا أحد يقوى على تحقيقه
الأرقام فى قطاع الصحة تتحدث عن قفزات غير عادية، وإصلاحات ما كان لها أن تتحقق دون إرادة وطموح كبيرين، بدء من رفع ميزانية القطاع لتصل فى موازنة فى 2024-2025 لـ319.6 مليار جنيه، مقارنة بـ 42.4 مليار جنيه عام 2014-2015 ، فضلا عن 15 مبادرة رئاسية اهتمت بالقضاء على فيرس سي، والاعتلال الكلوي، ومكافحة الامراض المزمنة، والسمنة والتقزم والأنيميا، وفحص المقبلين على الزواج، والأمراض الوراثية، والعناية بصحة الأم والجنين، والكشف المبكر عن ضعاف السمع، والكشف المبكر عن أورام الثدي، والكشف المبكر وعلاج أورام الرئة والبروستاتا وعنق الرحم والقولون، كما تم الاهتمام بتطوير البنية التحتية للقطاع الصحي، وتطوير المنشآت كل ذلك جنبا إلى جنب مع العمل على توطين صناعة الدواء، والأهم اصدار وتطبيق قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل.. الملفات كثيرة.. ونستعرض أبرز ملامحها مع الدكتور محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء.
إذا أردنا الحديث عن قطاع الصحة وما شهده.. مين اين نبدأ؟
لدينا 3 ملفات فى الصحة توضح مدى ما تم خلال السنوات الـ12 الماضية، لأنه بنفس الوتيرة سارت الخطوط الاخرى، ولعل ملف المبادرات الصحية وفيرس سى مثالا، وملف الدواء وما ساهمت فيه مدينة الدواء مثالًا آخر، وملف العدالة الاجتماعية ممثلا فى التأمين الصحى الاجتماعى الشامل مثال بارز.
لنبدأ من المبادرات الرئاسية خاصة مبادرة علاج فيرس سي؟
لنعرف قيمة هذه المبادرة يجب النظر لوضع الاصابات فى مصر حتى 2012، سنجده عدة ملايين مصاب بفيرس سي، وكانت تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير لـ200 ألف إصابة سنويا، ومشكلته ليس فقط الصحة، لكن أيضا العمل، فدول الخليج كانت ترفض عمل مصابى فيرس سي، وقد يعودون من المطار، فقد كانت تعتبره معديا، وهو لا يصنف كذلك، فالموضوع كان مؤذ، لكن فى 2013 بدأ ظهور نسخة جديدة من أدوية السوفالدى أو أدوية علاج فيرس سي، ودخلت مصر بالفعل فى 2014 باعتبارها أكثر الدول تسجيلا لمعدلات الإصابة عالميا، وكان ذلك بسعر بسيط يمثل 1% من سعره الحقيقي، يرجع ذلك إلى أن البنك الدولى رصد فى بياناته 60 دولة هى الأفقر فى العالم، من بينها مصر فبالتالى حصلت عليه بـ1% من سعره، ولم تكتفى الدولة بهذا بل عمدت لتصنيعه محليا، فصار فى متناول المواطنين سواء فى المستشفيات أو الصيدليات، ثم جاءت المبادرة الرئاسية 100 مليون صحة لاكتشاف وعلاج فيرس سي، والتى كانت سياراتها فى الميادين والشوارع فى كل مكان به تجمع جماهيرى بما فيها المسجد أو الكنيسة أو النادي، وكان المطلوب تسجيل البيانات وإجراء تحلل، لو جاء التحليل إيجابى ترسل له رسالة على تليفونه بأن عليه الحضور فى يوم كذا فى المكان كذا للحصول على جرعة العلاج، ومع أخذها تسجل بياناته على كارت وعليه موعد الجرعة التالية، وهذا كان أشبه بالأحلام وقتها، وهذه الاجراءات استطعنا بها السيطرة على جزء كبير من الوضع، لدرجة جعلت منظمة الصحة العالمية تعتبر مصر بوصلة لبعض الدول المصابة بهذا الوباء.. وتجربة رائدة فى القضاء عليه، وجرى تكرار الأمر فى باكستان ثانى دول العالم بعد مصر فى الإصابات، كما منحت الصحة العالمية مصر شهادة خلوها من فيرس سي، ولنتفق مادام الفيرس له مسببات فلا يكون الخلو تاما، هو ليس كشلل الأطفال مثلا، بالعكس مسبباته موجودة من غسيل الكلى للولادات لنقل الدم.. وصولا حتى للكوافيرات، لكن هناك سيطرة على الإصابة، كما حدث فى “كوفيد”.. لم ينته من العالم، لكن تم حصاره كوباء.. فضمر وانكمش تأثيره وحالاته.
كان هناك تحدى أيضا فى توفير السوفالدي؟
بالفعل، وهو ما يحسب لدولة، أذكر أنه كان لنا لقاء ربع ساعة مع المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء وقتها، وتحدثنا فيه عن ضرورة استثناؤه من آلية التسعير فى مصر، والتى تقضى بأن يسعر الدواء العالمى بـ60% فقط من قيمته الحقيقية كمراعاة لجهود البحث العلمى الذى أوصل إليه، وقتها كان سعره 25 ألف جنيه.. فتقريبا الـ60% تعنى أكثر من 15 ألفا.. ووهذا رقم كبير، فرفض رئيس الحكومة، وأجريت المفاوضات فى الإدارة المركزية للصيدلة قبل أن تحل محلها هيئة الدواء.. إلى أن جرى استثناؤه، وتم بيعه فى البداية بـ6500 جنيه، وكانت ثورة دواء لفيرس سى بشكل نهائي، وكان يصرف مجانا للآلاف المؤلفة فى المستشفيات والمراكز القومية والمستشفيات التعليمية والجامعية.
يقودنا ذلك لملف الدواء رغم سمعة مصر الإقليمية منذ الستينات إلا أن مدينة الدواء زادت من هذا زخما.. فكيف وصلنا لهذه المرحلة؟
مدينة الدواء كانت حلمًا ومشروعًا منذ 2005، لكنه لم يكتمل نظرا لضخامة الأموال المفترض تخصيصها، وأيضا لأنه لم تكن هناك سياسات واضحة، لكن ومنذ ست سنوات هناك سياسة واضحة فيما يخص ملف توطين الدواء فى مصر، سواء كمشروعات مصرية صينية أو مصرية إيطالية لصناعة مشتقات الدم والبلازما، والتى أمكننا بها تقليل فاتورة الاستيراد الضخمة جدا فى هذا النوع، حيث وصلت لـ3 مليار دولار لأدوية أمراض الدم، وتعمل مصر فيها مع أكبر شركة بهذا التخصص فى العالم، وقادنا ذلك للعمل على إنتاج الأدوية البيولوجية، وساعدت الحكومة أكثر من شركة لتخطى عراقيل الروتين، وبدأت بالفعل هذه الشركات عملها، مع الوقت بدأ مشروع مدينة الدواء يتبلور، فسوق الدواء المصرى يبلغ 3 مليارات دولار فى 2024، ونحن أكبر سوق فى الشرق الأوسط، ولدينا أكثر من 160 مصنعا معتمد من وزارة الصحة، و22 مصنعا لشركات أجنبية، و8 لشركات مصرية لديها مصانعها، فضلا عن 1200 شركة تجارية للتصنيع لدى الغير، وكل هذه البيئة الدوائية الصناعية كانت تواجه الروتين قبل مدينة الدواء، وأيضا كانت لدينا مشكلة فى تسعير الدواء، وذللت مدينة الدواء كل هذه المشاكل لأنها بالفعل انتصار كبير، كما زادت صادراتنا الدوائية، ومصر كانت سمعتها جيدة فى الصناعات الطيبة منذ الستينات.. وهى تصدر لدول شرق آسيا وأفريقيا، لكن قبل عشر سنوات لم يكن التصدير يتجاوز 200 مليون دولار، والآن صرنا نسمع ارقاما بالمليارات فى التصدير، ومصر تؤمن 85% الآن من احتياجاتها الدوائية محليا، وهذه النسبة ستتغير خلال الخمس سنوات القادمة، وكل ذلك لصالح الإنتاج والاقتصاد المصري، ولتأمين صحة المصريين فى النهاية.
تأمين لكل مواطن.. ما مدى أهمية ذلك فى الحق الإنسانى للصحة؟
التأمين الصحى أكثر مشروع اجتماعى فى مصر له علاقة بتحقق العدالة الاجتماعية، وبالسلم الاجتماعى بشكل مباشر خلال الخمسين سنة الاخيرة، فالصحة خدمة عزيزة جدا، وتقريبا كل دول العالم تشكو من الإنفاق على الصحة.. خاصة فى أوروبا وأمريكا ومصر أيضا، والوضع فى مصر كان أن 64% لديهم التأمين القديم، وباقى النسبة غير مغطاة.. وهنا المشكلة الرئيسية، خاصة أن النظام التأمينى لم يكن موحدا، فمؤسسات تابعة للأمانة المركزية، وأخرى للمؤسسة العلاجية، وثالثة لوزارة الصحة، ورابعة للمستشفيات الجامعية.. وهكذا، فكون مصر تأخذ القرار وتبدأ فى تطبيقه بالفعل فهذا أمر رائع، وهذا القانون سمعنا عنه من سنوات واشتركنا فى الورش الخاصة به أيام الحزب الوطني.. ولم نكن نصدق أنه يمكن أن تقدم عليه الحكومة، فهو بالفعل متشابك وصعب جدا، فلما جاءت الجمهورية الجديدة وطبقته.. فهذا دليل على أن الدولة المصرية لديها إرادة حقيقية فى الوصول بالخدمة الصحية لأعلى مستوى متاح، وهو ما تؤكد عليه منظمة الصحة العالمية وتطالب به أعضاءها، والملفت فى الأمر أن الحكومة اتخذت التطبيق الجزئى آلية فى تنفيذ التأمين الصحى الجديد، وبدأت فى المحافظات الأقل عددا مع مستوى اقتصادى مرتفع مثل الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، ثم الاقصر وأسوان وسيناء، حتى يمكنها الوقوف على المشاكل التى قد تظهر مع التطبيق، وإيجاد آليات لحلها فى محاكاة ولكن واقعية، قبيل تطبيقه فى المحافظات الأكبر عددا وتنوعا وازدحاما.. كالمنصورة والشرقية وكفر الشيخ.. وبالتأكيد القاهرة، ربما ذلك يزيد من مدة تعميمه، فبدأنا قبل ثلاث سنوات ويمكن أن نحتاج خمس أخرى، لكن هذا أفضل ليكون مدروسا فلا تكرر الاخطاء أو تهدر المليارات.
والقانون اسمه التأمين الصحى الشامل الجبري، حيث يستفيد منه كل أفراد الاسرة، حتى لو ارتفع المبلغ، لأن تمويله 1% من الدخل الشامل لكل فرد من الأسرة بدلا من الشخص فقط، هذا مع الوقت سيجعل هناك استدامة وانتظام للعمل، وأيضا وعى للمنتفعين بحقوقهم يجعل المنظومة تسير بشكل فعال ومستدام.
هل جاءتكم ردود أفعال عليه من المنتفعين؟
وفقا لاستطلاع أجريناه فى أربع محافظات هى بورسعيد والإسماعيلية والسويس وأسوان.. هناك رضى إلى حد كبير بين المنتفعين بالخدمة ذاتها، ويسر التعامل فيها، والمعاملة اللائقة من مقدميها، وفكرة الميكنة المطبقة تحد من الفساد، والحجز عن طريق الأنترنت يمنع الزحام، ويجعل هناك نظاما فى الكشف والتحليل والأشعة وفى صرف الأدوية، حتى الأدوية التى قد تعانى نقصا متوفرة فى مؤسسات التأمين الصحى الشامل، لأنه يتعامل مباشرة مع هيئة الشراء الموحد، لكن ردود الفعل التى لاحظناها خاصة بفكرة عدم قدرة البعض ومنهم كبار السن من التعامل عبر الإنترنت، وكذلك تأخر بعض الفئات فى الإجراءات الطبية كالباعة الجائلين والعمال الزراعيين والعمالة دون عقود، لأن التأمين لا يغطيهم بدرجة كبيرة، فلهم الكشف لكن إذا تطلبت الحالة تحاليل أو عمليات أو متابعة، فلا يشملهم إلا بعد بحث اجتماعى لحالتهم لتسجيلهم فى المنظومة، وتعد الفئات المستحقة لمعاش تكافل وكرامة مشتركة ضمنيا فى المشروع، وحتى الآن تم فى المحافظات تسجيل 120 ألف مواطن فقط غير قادر على العلاج وأغلبهم سيدات، ويحظى الجميع فيه بخدمة صحية ذات كفاءة عالية وبكرامة.