تزايد التوترات في مخيمات لبنان: مخطط عباس يؤدي إلى الاضطرابات والتمرد، مع اقتحام مكاتب وارتفاع الخلافات وتحذيرات من العنف والاقتتال. ما يحدث داخل المخيمات الفلسطينية؟

غزة – خاص بـ”رأي اليوم”- نادر الصفدي:
تعيش الساحة اللبنانية منذ عدة أيام وعلى وجه الخصوص داخل المخيمات الفلسطينية، حالة غير مسبوقة من الغليان والغضب لا يمكن لأحد أن يتوقع إلى أين ستصل وماذا ستأخذ في طريقها، في ظل تحركات غامضة تثير معها الكثير من الجدل.
الاتهامات التي توجه للسلطة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس لا تتوقف منذ شهور طويلة، فتارة يُتهم بتنفيذ مخطط خارجي “خطير” للسيطرة على المخيمات الفلسطينية داخل لبنان ومصادر سلاحها، وتارة أخرى بإشعال حرب داخلية قد تصل لحد إسالة الدماء.
هذه الأوضاع المتوترة مرشحة للتصعيد خلال الأيام القليلة المقبلة، وفق قراءة مراقبون اللذين حذروا من حالة الغليان المتصاعدة، وسط تهديدات بعصيان مدني ومواجهات مسلحة بين أقطاب داخل حركة “فتح” ستؤجج الأوضاع داخل المخيمات وتشعلها في ظل أوضاع صعبة وقاسية.
وبلغ الصراع الداخلي بين أقطاب حركة “فتح” في لبنان منحنيات خطيرة وصلت حد مداهمة قوات الأمن الوطني الفلسطيني مكتب الملازم شادي الفار المفصول حديثا من “فتح” في مخيم برج البراجنة جنوبي العاصمة بيروت، وسيطرت عليه.
وبررت “فتح” الحدث بأنه جاء عقب رفض “الفار” قرارات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والتعيينات الجديدة التي أقرتها السلطة بصفوف سفارتها ومكاتب فتح بلبنان، وفصله من الحركة بعد اتهامه بالفساد.
مصدر في قوات الأمن الوطني الفلسطيني أوضح أن قوة داهمت مكتب شادي الفار بحي جورة التراشحة بعد امتناعه عن تسليمه.
وذكر أن قائد الجهاز في لبنان اللواء صبحي أبو عرب تدخل شخصيا، وقدم لمخيم برج البراجنة والتقى الفار، طالباً منه تسليم المكتب والسلاح فيه دون مقاومة، وفعلاً دخلت القوة إلى المكتب واستلمت جميع الأسلحة من وحدة الحماية والمرافقة للفار.
وكشف المصدر أن لجنة مراقبة من رام الله تواجدت عند التسليم وتممت الكشوفات الموجودة داخل مكتب وحدة الحماية والمرافقة، مشيرا إلى ان الإجراءات لم تنته بعد وهناك المزيد من تسليم المكاتب ضمنها السلاح والعتاد.
وتتزامن التطورات مع تعيين سفير جديد للسلطة الفلسطينية في بيروت خلفاً للسفير أشرف دبور الذي تمت إقالته ضمن تعديلات طالت قيادات وعناصر فتح في لبنان، بينها إقالة حسن سالم، مسؤول المالية والإدارة في السفارة الفلسطينية ببيروت.
وعين السفير محمد الأسعد خلفًا لدبور. وكان الأسعد يشغل منصب سفير السلطة في موريتانيا، وقبلها مناصب دبلوماسية بدول عدة.
ويقول مسؤولون، إن الرئيس عباس، ينفذ “انقلابًا صاخبًا” عقب فشله في تطبيق الخطة الإسرائيلية الأمريكية لنزع سلاح المقاومة في المخيمات الفلسطينية بلبنان.
ويستمر عباس في اعتماد قرارات بسلسلة تغييرات إدارية وأمنية شملت مناصب دبلوماسية في السفارة وعسكرية في إدارة الأمن الوطني الفلسطيني داخل لبنان.
وجاءت التعيينات على النحو التالي: العميد فخر الدين محمد شحادة قاسم، مديراً لإدارة التدريب في قوات الأمن الوطني في لبنان، العميد محمود حسين محسن الحسن مديراً لإدارة الأسلحة المركزية، العقيد محمود عبد الرحمن سالم:، مديراً لإدارة الإمداد والتجهيز واللوازم العامة. المقدم عبد الهادي يحيى محمود الأسدي، مديراً لإدارة العلاقات العامة والإعلام. العقيد أشرف نعيم إبراهيم الحاج، مديراً لإدارة التنظيم والإدارة. والعميد مروان أحمد مرعي ناصر، مدير الإدارة المالية العسكرية.
كما تقرر تشكيل لجنة لاستلام وتسليم مهام قادة المناطق والإدارات المركزية لقوات الأمن الوطني في الساحة اللبنانية، برئاسة اللواء صبحي أبو عرب، وعضوية كل من: العميد ناجح فرحان، العميد رائد داود، العميد إبراهيم سعد الدين، والعقيد باسم رشيد.
يأتي هذا بعد أن أصدر عباس، قرارا بتعيين السفير محمد الأسعد سفيرا جديدا للسلطة الفلسطينية لدى الجمهورية اللبنانية، خلفاً للسفير أشرف دبور، الذي أعفي من منصبه.
كما شمل إقالة حسن سالم، مسؤول المالية والإدارة في السفارة الفلسطينية في بيروت، بإطار ما وصفته مصادر مطلعة بـ”إعادة هيكلة شاملة” للسفارة والهيئات التنظيمية التابعة لها.
يُذكر أن السفير الجديد محمد الأسعد شغل في السابق منصب سفير فلسطين لدى أوكرانيا بين عامي 2010 و2019.
يشغل منصب سفير السلطة لدى موريتانيا منذ الأول من أبريل 2025، قبل تكليفه بالموقع الدبلوماسي الجديد في لبنان.
وتتزامن التغييرات مع توترات داخلية في حركة “فتح” في لبنان منذ أسابيع، ووسط تصاعد الدعوات إلى ما وصف بـ “إصلاح البنية التنظيمية والإدارية، واستعادة ثقة القواعد الشعبية، لاسيما بعد موجة انتقادات طالت إدارة السفارة في بيروت وبعض قيادات الأمن الوطني”.
ورأى الباحث السياسي اللبناني علي إبراهيم أنّ السلطة الفلسطينية تدفع المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى حافة الانفجار مع تكرار حديثها عن نزع سلاحها المخصص لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وقال إبراهيم في تصريح له، إن الدولة اللبنانية لا تزال تتعامل مع منظمة التحرير بوصفها الممثل الرسمي للفلسطينيين، لكنها تدرك واقع المخيمات وتوازناتها، مشيرًا إلى أنه رغم الاعتراف الدولي بالمنظمة، إلا أن الواقع على الأرض يفرض التعامل مع قوى فاعلة كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمتلكان نفوذًا وتأثيرًا داخل المخيمات.
وبين إبراهيم إلى أن هذا ما يدفع الأجهزة اللبنانية إلى تبني سياسة الواقعية العملية، عبر إشراك هذه القوى في التفاهمات الأمنية دون منحها صفة الشريك الرسمي.
وحذّر الكاتب من أن اقتصار الحوار مع طرف واحد لا يُمثّل كل القوى قد يعمّق التهميش ويزيد من الاحتقان داخل المخيمات.
ويبقى التساؤل.. إلى أين ستقود قرارات عباس مخيمات لبنان؟ ولمصلحة من؟