غزة تواجه الأهوال: الرضيع أحمد يموت من الجوع وتوأمه يكافح للبقاء على قيد الحياة.

غزة تواجه الأهوال: الرضيع أحمد يموت من الجوع وتوأمه يكافح للبقاء على قيد الحياة.

غزة / الأناضول
في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، تنظر الفلسطينية آيات السردي بلوعة إلى سريرين خصصتهما لطفليها التوأمين، أحدهما ظل فارغا منذ 4 أيام بعد وفاة أحمد جراء سوء التغذية، فيما يستلقي مازن على السرير المقابل يصارع الجوع الناجم عن الحصار الإسرائيلي المشدد.
وُلد التوأمان أحمد ومازن طليب في أبريل/ نيسان 2025 بعد أكثر من أربع سنوات من الانتظار المؤلم لوالديهما، وبعد أربع رحلات من الإجهاض المتكررة وفترة طويلة من العلاج، وفق ما قالته السردي للأناضول.
لكن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من 21 شهرا، خطفت فرحة العائلة بقدومهما، إذ ولدا خدجا في شهرهما السابع، بسبب تعرض والدتهما لسوء التغذية جراء التجويع والظروف الإنسانية القاهرة في القطاع.
بعد ولادتهما نُقل التوأمان إلى حضانات طبية في مستشفيي “الحلو” و”الرنتيسي” بمدينة غزة، حيث أمضيا نحو 40 يوما في العناية المركزة، فيما لم تتمكن والدتهما خلال تلك الفترة من رؤيتهما.
مرت تلك الفترة قاسية على قلب آيات (25 عاما) وسط تخوفات كبيرة من أن تفقد صغيريها جراء وضعهما الصحي، وبالفعل فقدت أحدهما بعد أن مات جوعا.
والآن تنظر السردي إلى صغيرها الثاني يصارع سوء التغذية بلا رعاية أو حليب أو مكملات غذائية بسبب الحصار الإسرائيلي والتجويع الممنهج.
وفي 19 يونيو/ حزيران حذر مستشفيان في قطاع غزة، من “كارثة صحية” وشيكة تهدد حياة الرضع الخدج جراء نفاد حليب الأطفال العلاجي بسبب الحصار الإسرائيلي.
ومنذ 2 مارس/ آذار تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة مجاعة وأودى بحياة كثيرين.
** نقص الحليب العلاجي
بعد خروجهما من المستشفى، عجزت العائلة عن توفير الحليب العلاجي الخاص لنمو التوأمين، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تزامنت أيضا مع انعدام المكملات الغذائية الخاصة بالأطفال جراء تشديد الحصار.
وقالت السردي: “علبة الحليب العلاجي – إن توفر في سوق غزة – وصل سعرها لنحو 200 شيكل (الدولار الواحد يعادل3.37 شواكل)”.
وأوضحت أنها لم تتمكن من شراء هذا الحليب بسبب عدم توفر السيولة لدى العائلة جراء تردي وضعها الاقتصادي وانعدام فرص العمل.
وذكرت أنها توجهت إلى مستشفيات ومراكز طبية بعد خروجهما من المستشفى لطلب الحليب العلاجي، فيما كانت تحصل في بعض الأحيان على علبة حليب واحدة تكفي الطفل مدة لا تتجاوز 5 أيام.
وبداية يونيو/ حزيران أبلغت المراكز الطبية السردي بنفاد الحليب العلاجي بسبب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر ووقف دخول المساعدات الإغاثية والطبية.
وبذلك، لم يتوفر أي بديل للسيدة الفلسطينية لإبقاء أطفالها على قيد الحياة، حيث كان أحمد يستفرغ كل أنواع الحليب المتوفرة لديها إلى أن توفي.
وقالت بصوت مخنوق: “آخر مرة شرب فيها، خرج الحليب من أنفه (..) لم يكن يتقبل أي نوع”.
** لحظة الوفاة
ورغم الأوضاع الصعبة، قررت السردي التوجه إلى طبيب خاص للإشراف على حالة أحمد، واضطرت لقطع رحلة من مدينة غزة إلى وسط القطاع غالبيتها مشيا على الأقدام بسبب عدم توفر مواصلات عامة.
وفي ذات اليوم وبينما أخذت استراحة في منزل عائلتها وسط القطاع، شعرت السردي بأن أحمد أخذ جلده بالتحول إلى اللون الأصفر ومن ثم الأزرق، فيما خرج صوت صفير غير معهود من صدره.
آنذاك، حملت السردي طفلها وانطلقت به ركضا من منطقة الزوايدة إلى “مستشفى شهداء الأقصى” قاطعة عدة كيلو مترات، وسط حالة من الخوف الشديد على حياته.
لكنها لم تنجح بإنقاذه، إذ تروي بصوت مكلوم: “وصل المستشفى ميتا”.
** مازن في خطر
أما مازن الذي لم يتجاوز عمره 3 شهور، ما زال يواجه الجوع وسوء التغذية من خلال تناول حليب مخصص للأطفال بعمر السنة، وفق والدته.
وتضيف السردي أنها لجأت إلى هذا النوع من الحليب لعدم توفر الحليب العلاجي، فيما ينتاب قلبها خوف وهي تنظر إليه كل يوم وتتساءل إن كان مصيره سيكون مثل مصير أحمد.
** ولادة مبكرة
تقول السردي إنها مرت بظروف قاسية جدا قبل إنجاب التوأمين، مبينة أنها أجهضت 4 مرات، وأنها مرت أيضا بفترة طويلة من العلاج.
وأوضحت أن فترة الحمل كانت صعبة تخللها رحلات نزوح متكررة وخوف من الانفجارات فضلا عن شح الطعام الغني بالعناصر الغذائية اللازم للحوامل.
وبسبب سوء التغذية، تقول السيدة المكلومة إنها خضعت لولادة مبكرة في الشهر السابع من الحمل وسط مخاطر على حياة توأمها.
وبعد وفاة أحمد، تتفاقم معاناتها إذ تعجر عن توفير أدنى احتياجات مازن، خاصة فيما يتعلق بمستلزمات النظافة “الحفاضات” إلى جانب الغذاء.
وتوجه آيات رسالتها إلى العالم، قائلة باستنكار: “ما ذنب الأطفال؟” كي يعيشوا هذه الحياة ويموتوا جوعا.
آيات واحدة من مئات آلاف العائلات التي يواجه أطفالها سوء تغذية جراء التجويع الذي تمارسه إسرائيل منذ مارس/ آذار الماضي.
وبعد وفاة 66 طفلا جراء سوء التغذية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 توفي شاب فلسطيني (29 عاما) مطلع يوليو الجاري بذات السبب، الأمر الذي اعتبرته حكومة غزة منعطفا خطيرا في مسار الكارثة الإنسانية جراء سياسة التجويع الإسرائيلية.
والجمعة، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن نحو 112 طفلا فلسطينيا يدخلون المستشفيات بقطاع غزة يوميا لتلقي العلاج من سوء التغذية منذ بداية العام الجاري، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل – بدعم أمريكي – إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها، وخلفت أكثر من 194 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.