خطوة تاريخية: روسيا تُعلن عن إلغاء الرسوم على صادرات القمح

في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة منذ عام 2021، أعلنت روسيا إلغاء رسوم تصدير القمح بشكل كامل، بدءًا من 9 وحتى 15 يوليو، في مسعى واضح لتحفيز المبيعات الخارجية التي شهدت تراجعًا حادًا خلال الأشهر الماضية.
وأكدت وزارة الزراعة الروسية أن القرار يُعد تعديلًا كبيرًا في سياستها التجارية، ويهدف إلى إنعاش الصادرات في ظل ظروف السوق المتقلبة، بعد أن بلغت رسوم التصدير 56.3 روبل (0.70 دولار) للطن في الأسبوع السابق.
ويأتي هذا الإجراء بينما تشهد صادرات القمح الروسية — التي تُعد الأكبر عالميًا — تراجعًا مثيرًا للقلق، ما يُشكل تهديدًا مباشرا لمكانتها الدولية في تجارة الحبوب.
تدهور واضح في صادرات القمح الروسية
ويُعاد حساب نظام الرسوم الجمركية العائمة في روسيا – المُستخدم للقمح والذرة والشعير – أسبوعيا، بناء على الفجوة بين سعر الأساس المُحدد وسعر التصدير الفعلي.
ومنذ ديسمبر 2024، خفّضت روسيا هذه الرسوم بشكل كبير، حيث انخفضت من 4769 روبل (60 دولارا) للطن إلى ما يقارب الصفر في غضون ستة أشهر فقط.
ويُبرز هذا التخفيض السريع للرسوم الجمركية تزايد الضغوط على صناعة الحبوب الروسية. ووفقا لبيانات الاتحاد الروسي للحبوب، انخفضت صادرات القمح في يونيو 2025 بشكل حاد إلى 1.12 مليون طن فقط – أي ما يُعادل 25% فقط من حجم الصادرات خلال الشهر نفسه من العام السابق.
وتشير الأرقام الأولية إلى أن إجمالي صادرات القمح بين يوليو 2024 ويونيو 2025 انخفض بنسبة 28%، ليصل إلى 41.5 مليون طن.
مسؤولون حكوميون يدقون ناقوس الخطر
فيما أعرب كبار المسؤولين الروس عن قلقهم المتزايد إزاء هذا الاتجاه النزولي. في مايو، أقرّ نائب رئيس الوزراء دميتري باتروشيف علنا بالانخفاض الحاد في صادرات الحبوب، وشدد على ضرورة تطبيق إجراءات تصحيحية لحماية مكانة روسيا في الأسواق الدولية.
ولم تُسلّط تصريحات باتروشيف الضوء على التداعيات الاقتصادية المحلية فحسب، بل سلّطت الضوء أيضا على الأبعاد الجيوسياسية لتجارة القمح، حيث تُعادل حصة السوق النفوذ الاستراتيجي.
وردا على ذلك، أعلنت وزارة الزراعة عن نيتها الإبقاء على إطار رسوم التصدير دون تغيير، مع مراجعة الأسعار الأساسية المستخدمة في حساب الرسوم، مما يُشير إلى مزيد من المرونة في التعديلات المستقبلية.
قرار استراتيجي أكثر منه تدبير مؤقت
ويشير الخبراء إلى أن سياسة الإعفاء من الرسوم ليست مجرد إجراء تخفيفي مؤقت، بل هي إعادة تقييم استراتيجية. فمن خلال إزالة الحاجز المالي على صادرات القمح، تسعى روسيا إلى جعل حبوبها أكثر جاذبية في السوق العالمية، لا سيما في المناطق الحساسة للأسعار مثل الشرق الأوسط وأفريقيا.
ومع ذلك، يُحذّر المحللون من أن هذه الخطوات يجب أن تُقرن بتغييرات أوسع في السياسات وتحسينات لوجستية لضمان استقرار وموثوقية الصادرات على المدى الطويل.
ويعكس التباطؤ الاقتصادي الحالي أيضا تحديات في الطلب العالمي، وقيود الشحن، وزيادة المنافسة من منتجين رئيسيين آخرين مثل أوكرانيا والولايات المتحدة وأستراليا.
اقرأ أيضا.. نصف مليون برميل إضافي يوميا.. أوبك+ تصدم الأسواق بأكبر زيادة نفطية منذ أبريل
سوق القمح العالمي يترقب نتائج القرار الروسي
ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان إجراء الإعفاء من الرسوم الجمركية سيُنعش صادرات القمح الروسي بنجاح. ويواجه القطاع الزراعي تحديات هيكلية، بما في ذلك تقلبات الأسعار العالمية، والاختناقات اللوجستية، والعقوبات الدولية.
ومع ذلك، تُعد هذه الخطوة إشارة واضحة إلى استعداد موسكو لاتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على بصمتها الزراعية العالمية.
في حين تُواجه روسيا هذه التعقيدات، ستراقب أسواق الغذاء العالمية عن كثب لتقييم فعالية هذا التحول الجريء في السياسة وتأثيره على أسعار الحبوب العالمية.