دولة التيموريين المغولية والدولة المملوكية

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وكما ذكرت المصادر الكثير عن السلطان جقمق، وكان حكم السلطان جقمق معتدلا إذا قيس بحكم برسباي، كما عُرف عن جقمق تدينه وورعه، فحرم المعاصي وشرب الخمور، وفي عهد جقمق تحسنت العلاقات بين دولة المغول التيمورية والدولة المملوكية، وتبادل الطرفان السفراء، كما غزا المسلمون جزيرة رودس دون أن يتمكنوا من فتحها، وبعد وفاة جقمق تولى عدة سلاطين لم يكن لهم ذكر مهم في التاريخ، حتى ولي الأشرف قايتباي من سنة ثماني مائة واثنين وسبعين من الهجرة، إلى سنة تسعمائة واثنين من الهجرة، وهو أطول سلاطين هذه الدولة حكما.
وكان شجاعا قويا يحبه قادة الجيش، كما كان محبا للعمارة، ولم يضارع عصره في المباني المملوكية جمالا سوى عصر الناصر محمد بن قلاوون، وكما أن الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي، ظهر على الساحة السياسية والعسكرية في أواخر العصر المملوكي وشكلت دعوته خطرا كبيرا على الدولة، وقد إمتازت العلاقات العثمانية المملوكية بالود والتقارب الشديدين، منذ أن قامت الدولة العثمانية وأخذت على عاتقها فتح بلاد البلقان ونشر الإسلام في ربوعها، وخطب السلاطين العثمانيين ود السلاطين المماليك بإعتبارهم زعماء العالم الإسلامي والقائمين على حماية الخلافة الإسلامية، وإعترفوا لهم بالأولوية السياسية والدينية، بينما خططوا لأنفسهم دورا متواضعا هو دور البكوات حماة حدود ديار الإسلام، هذا وقد ظل المماليك ينظرون إلى تحركات العثمانيين الجهادية.
كجزء من المسألة الإسلامية العامة، ولما فتح العثمانيون القسطنطينية سنة ثماني مائة وسبع وخمسين من الهجرة، إعتبر المماليك ذلك نصرا عظيما لعامة المسلمين، وإحتفل في القاهرة بهذا الحدث الجلل احتفالا رائعا، فزينت الأسواق والحارات، وأوقدت الشموع في الشوارع والمآذن، ودقت البشائر السلطانية في قلعة الجبل عدة أيام، وعم السكان الفرح، وشكل فتح القسطنطينية الحد النهائي للعلاقات الودية بين المماليك والعثمانيين، فعند ذلك طويت صفحة العلاقات الجيدة بين الدولتين وفتحت صفحة جديدة سادها العداء بفعل تصادم المصالح، لا سيما بعد أن أوقف العثمانيون فتوحاتهم في شبه جزيرة البلقان، وتحولوا إلى آسيا الصغرى لإستكمال ضمها إلى ممتلكاتهم في سبيل تسهيل تمويل حملاتهم الذاهبة إلى إيران لمحاربة الصفويين الذين كانوا قد فرضوا التشيع على الإيرانيين.
وأخذوا يحاولون التمدد نحو الأناضول والعراق لنشر مذهبهم ونتيجة لضم العثمانيين للجزيرة الفراتية، فتح الباب أمامهم للتمدد بإتجاه الأراضي العربية لتأمين خطوط استراتيجية جديدة في الشام والعراق تصل إلى المحيط الهندي، ويرتبط بهذه القاعدة ضم الأراضي المملوكية، وموانئ قيليقية، لأن من شأن ذلك أن يوفر لهم طريقا بحريا يسهل عليهم تمويل حملاتهم سالفة الذكر، وجرت بين العثمانيين والمماليك بضعة وقعات ما بين سنتي ثماني مائة وثماني وثمانين من الهجرة، وسنة ثماني مائة وست وتسعين من الهجرة، نتيجة الخلافات الحدودية، وإنتهت بعقد إتفاقية سلام بين الدولتين بوساطة السلطان الحفصي أبي يحيى زكرياء بن يحيى، إلا أن بروز القوة الصفوية الشيعية على المسرح السياسي في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، جعل العلاقة بين العثمانيين والمماليك تدخل في طور جديد.
شارك