نقاد الفيسبوك وحكماء السراب: عندما يتحول النقد إلى بديل عن العمل

نقاد الفيسبوك وحكماء السراب: عندما يتحول النقد إلى بديل عن العمل

بقلم أشرف ماهر ضلع 

في زحام الكلمات، وعلى أرصفة الفضاء الأزرق، أصبح الفيس بوك منصةً يحكم فيها الناس على الآخرين، بلا بينة ولا تجربة، وأحيانًا بلا أدنى اقتراب من الواقع. صار الكثيرون، في لحظة كبسة زر، فقهاء في السياسة، حكماء في الإدارة، ومحللين في الاجتماع والاقتصاد، يصدرون الأحكام، يوزعون التهم، وينسجون أوهامهم بخيوط “منشور” هش لا يستند إلى أدنى حقائق الميدان.

نعم..

إن الأسهل دومًا أن تتكلم، والأصعب أن تفعل. والأسهل أن تُدين الآخرين وأنت جالس في مكانك، أما أن تنزل الميدان، وتسعى، وتطرق الأبواب، فذلك امتحان لا يجرؤ عليه إلا القليل.

ولعل أكثر ما يثير الغرابة، حين تجد من ينتقد نوابًا ومسؤولين وينعتهم بالتقصير، وهو لم يسع يومًا إليهم بخطاب، ولم يطلب لقاءً، ولم يُسجّل مشكلة أو عرض قضية، ثم يتصدر المشهد ناقدًا، محللاً، متحدثًا باسم الجماهير، وكأن الحقيقة حاضرة على صفحته ومغيّبة عن الميدان.

أي منطقٍ هذا؟

كيف تنقد طريقًا لم تمشِ فيه؟

كيف تقيّم أداء نائب أو مسؤول، وأنت لم تختبره؟ لم تلجأ إليه؟ لم تقف على بابه حاملًا مطلبًا أو مظلمة؟

أليس من الأجدر أن تطرق قبل أن تحكم؟ أن تطلب قبل أن تكتب؟ أن تنزل الواقع قبل أن ترفع صوتك؟

إن الحكم على النوايا والضمائر من خلف الشاشة، ليس سوى ظلم ناعم يرتدي ثوب “الحرية والرأي”.

ومن أبشع الظلم أن تُحاكم غيرك بتصورك الشخصي لا بتجربتك، أن تُدينه بمخاوفك لا بأدلة.

ولأننا نعيش زمن “اللا مسؤولية الرقمية”، فقد صار البعض يُمارس دور النائب، والمصلح، والخبير، بينما لم يقدّم شيئًا سوى الكلمات الجوفاء، ولم يسعَ لإصلاح خللٍ أو معالجة مشكلة، سوى ببث الإحباط والتهكم ونشر الاتهامات وكأنها الحق المطلق.

وهنا، نقولها واضحة:

النقد حق.. لكنه مشروط بالنية الطيبة والسعي المسبق، فمن لم يجرب لا يحق له أن يُدِين.

ومن لم يُمسك معول البناء، فلا ينبغي له أن يَسلق الناس بلسان الهدم.

النواب، كأي بشر، يخطئون ويصيبون، ولكن هل سعيت إليهم؟

هل عرضت مشكلتك؟

هل جربت قبل أن تحكم؟

إنهم ليسوا أنبياء، ولكنهم أيضًا ليسوا أعداءً بالفطرة، ولا فاسدين لمجرد أنك لم ترهم على صفحتك.

أيها المنتقد من خلف الشاشة:

اجعل من نفسك شاهدًا على الحقيقة لا متخيلًا لها. كن جزءًا من الحل، لا مجرد صدى لصوت العجز.

فمن السهل أن تكتب.. لكن الشجاعة الحقيقية أن تخوض التجربة، وتُصلح، وتبني.

ولا تنسَ:

“الواقع لا يُكتَب على الفيس بوك.. بل يُصنع على الأرض.”

والكلمات لا تُغير شيئًا إلا إذا كانت وراءها نية صادقة وسعي فعلي.

فمن لم يُجرب، لا يحق له أن يحكم.

ومن أراد النقد.. فليسبق ذلك بسعيٍ وجهد وطرقٍ على أبواب الحلول.