مثلث الوفيات على الطرق

تطوير الطرق، وإقامة شبكة قوية تُسهِّل الحركة المرورية، كان من أولى خطوات التطور داخل مصر خلال الأعوام الماضية وحتى اليوم.
ورغم كل التطوير المستمر، وإنشاء طرق جديدة، وإعادة إصلاح جميع الطرق المتهالكة، لم تنتهِ حوادث الطرق.
وبعد الحادثة المأساوية التي راح ضحيتها مجموعة من الفتيات فى عمر الزهور بمحافظة المنوفية، تتحدث «روزاليوسف» مع الخبراء لمعرفة كيفية الحد من ظاهرة الحوادث المرورية. أسباب الحوادث المرورية من جانبه، قال اللواء أحمد هشام، الخبير المرورى، إن الحوادث المرورية التي شهدناها مؤخرًا، وآخرها الحادث المأساوى على الطريق الإقليمى فى دائرة مركز أشمون بالمنوفية، والذي أسفر عن وفاة 19 فتاة وسائق الميكروباص، تعود إلى عدة أسباب رئيسية.
أول هذه الأسباب هو السرعة الزائدة، حيث يقود السائقون سياراتهم بسرعات فائقة، ويتجلى ذلك بشكل خاص فى سيارات النقل العام والخاص والجماعى، بهدف الوصول إلى وجهتهم بسرعة أكبر، مما يتيح لهم القيام بعدد أكبر من الرحلات وزيادة عائدهم المالى.
غياب التنظيم فيما يتعلق بحمولات السيارات يؤدى إلى تدهور حالة الطرق وظهور التشققات والحفر، وهو ما يسهم فى تفاقم المشكلات وحدوث الحوادث المرورية، على حد قوله.
أما عن النقطة الثالثة فهى تتعلق بعدم صلاحية السيارات الفنية، حيث قد تكون الفرامل الهوائية أو الإطارات فى حالة سيئة أو غير ملائمة لدرجات حرارة الأسفلت، مما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث.
يرى اللواء «هشام» أن الثقافة المرورية تعانى لدى بعض قائدى السيارات من نقص واضح، حيث يُلاحظ عدم التزامهم بالسرعة المحددة، وعدم اتباعهم للحارة المرورية الصحيحة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم استخدام حزام الأمان، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، فضلًا عن تعاطى بعض السائقين للمواد المخدرة والمنبهات، يُسهم فى تدهور تركيزهم أثناء القيادة. كل هذه العوامل تؤدى إلى زيادة الحوادث المرورية، وهو ما يُعد أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الحوادث فى مصر خلال الفترة الأخيرة.
علاج هذه القضايا –بحسب رأيه- يكون من خلال تعزيز الثقافة المرورية لدى سائقى السيارات العامة والخاصة، عبر تنظيم دورات تدريبية وتثقيفية.
وأوضح أنه بالنسبة للنقل الثقيل، يتعين إجراء فحص فنى للشاحنات كل ستة أشهر للتأكد من صلاحيتها الفنية، كما ينبغى القيام بزيارات للأكمنة الثابتة والمتحركة، مع ضرورة وجود مندوب من وزارة الصحة للكشف عن سائقى السيارات المشتبه فى تعاطيهم المواد المخدرة، وذلك لتسريع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم.
هناك حاجة ماسة لتشديد العقوبات لتكون رادعة للسائقين الذين يقودون سيارات بدون رخصة قيادة أو برخص منتهية، حسبما يرى «هشام»، مؤكدًا أن جميع هذه العوامل تُسهم بشكل كبير فى تقليل الحوادث المرورية.
كما أنه يجب إجراء صيانة دورية يومية لشبكة الطرق بدلًا من الاعتماد على فترات زمنية محددة، ومن الضرورى التأكد من الصلاحية الفنية للطرق، خاصة فى حال وجود حفر أو تشققات أو منحنيات أو أى مشكلات أخرى قد تعيق حركة السير.
وإذا وُجدت أى من هذه المشكلات، يجب إغلاق الطريق بشكل نهائى وتحويل حركة المرور إلى اتجاه بديل. هذه الإجراءات تُسهم بشكل كبير فى تحسين سلامة الطرق.
لذا طالب بضرورة تعزيز الوعى من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وذلك عبر تقديم إرشادات وتحذيرات يومية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال النصائح التي يقدمها خبراء المرور بالتعاون مع خبراء الأرصاد الجوية، حيث يتم عرض النشرة المرورية ومدى ارتباطها بالأحوال الجوية.
فهناك علاقة وثيقة بين الحالة الجوية والحالة المرورية، إذ تؤثر الظروف الجوية سلبًا على حركة المرور، مما يؤدى إلى زيادة الحوادث نتيجة هطول الأمطار، وسرعة الرياح، والشبورة المائية والترابية، وارتفاع درجات الحرارة.العنصر البشرى
فى قلب هذه الأزمة، يتحدث المستشار سامى مختار، رئيس الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم، بصوت لا يخلو من المرارة.
يجلس خلف أوراق الإحصاءات، يقرأ الأرقام جيدًا، ويُدرك أن الطرق وحدها ليست الجانى.
«العنصر البشرى هو القاتل الأول»، يقولها بثقة، ثم يُكمل أن الطرق، رغم كونها حديثة ومُصممة وفق المواصفات، لا تصمد كثيرًا أمام التهور، ولا تُجدى نفعًا مع سائق لا يُفرق بين حارة مخصصة للنقل الثقيل ومسار السيارات الخاصة.
لا يُنكر مختار أن هناك أخطاء فى بعض التصاميم، لكنه يضعها فى خانة الهامش، لا تتعدى 10%. أما الكارثة الحقيقية، فهى فيمن يقود، لا فى الطريق نفسه.
بكلمات مباشرة، يقول إن الحارات تُهدر، والصيانة تُؤجَّل، لأن من يسير عليها لا يلتزم، ولا يتوقف لحظة ليتأمل حجم مسؤوليته.
تُظهر بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تراجعًا فى معدل الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية. فى عام 2024، انخفض الرقم إلى 5,260 وفاة، بعد أن كان 5,861 حالة وفاة فى عام 2023، بنسبة تحسُّن بلغت 10.3%. لكن خلف هذا الانخفاض، هناك وجه آخر للمأساة.إحصائيات مخيفة
مأمون عبدالنبى، خبير السلامة على الطرق، يُلوّح بورقة مكتظة بالأرقام.
«صحيح أن عدد الوفيات انخفض»، يقول، «لكن عدد المصابين ارتفع بنسبة 7.5%، ليصل إلى 76,362 مصابًا خلال العام».
ثم يتوقف للحظة، كأنه يعيد قراءة المأساة من جديد، ويُضيف أن أكثر من 24 ألفًا من هؤلاء المصابين هم أطفال تحت سن الخامسة عشرة.
فى خريطة الإصابات، تتصدر محافظة الدقهلية بعدد إصابات بلغ 15,563 حالة، بينما سجلت السويس أقل عدد، بـ39 مصابًا فقط.
أما القاهرة، فتظل فى صدارة الوفيات، بـ766 حالة وفاة فى عام واحد، ما يُثير التساؤل حول مدى قدرة