هل نُعلم أطفالنا عن الذكاء الاصطناعي أم نتركهم يعتمدون عليه؟ نقاش حول دور الذكاء في التعليم العام

الدكتور علي بن محمد الجديع
لم يعد الذكاء الاصطناعي تخصصًا مستقلاً في الجامعات أو مراكز البحث… لقد أصبح واقعًا معاشًا في مدارسنا، يدخل إلى الفصول عبر تطبيقات التعلم الذكية، وأدوات المساعدة الكتابية، ومنصات التقويم، بل وحتى في المناهج الدراسية. والسؤال الذي لم نطرحه بعد بعمق هو: هل نحن نُعلّم طلابنا الذكاء الاصطناعي… أم نسلّمهم له؟
في هذا المقال، نعرض الجدل التربوي الأخلاقي حول تدريس الذكاء الاصطناعي في مراحل التعليم العام، مستندين إلى أحدث ما أنتجته الدراسات الأكاديمية في 2025، ومرتكزين إلى حجاج منطقي لا يُفرّط بالتحوّل التقني، لكنه لا يساوم على الإنسان.
أولًا: بين الضرورة التقنية والحذر التربوي
إن القول بضرورة تدريس الذكاء الاصطناعي في التعليم العام لم يعد موضع خلاف. فكما بيّنت دراسة Tan & Lee (2025)، فإن تعلّم مهارات الذكاء الاصطناعي المبكرة يرتبط إيجابيًا بتطور التفكير المنطقي والتحليلي لدى الطلاب، ولا سيما عند استخدامه في البحث العلمي ومهارات التحليل.
لكن الخطأ التربوي الجسيم يكمن في تدريس التقنية بلا أخلاق، والمعلومة بلا معنى، والبرمجة بلا نقد. فحين يتحول الذكاء الاصطناعي إلى موضوع يُلقّن بدل أن يكون سؤالًا يُناقش، نفقد هدف التربية من جذوره.
ثانيًا: مخاطر خفية خلف الواجهة التقنية
1. ضمور التفكير النقدي
أثبتت دراسة Baroudi et al. (2025) أن اعتماد الطلبة على الأدوات الذكية لإنتاج النصوص قلّل من جودة التفكير والتحليل لديهم. فالأدوات لا تُحفّز التلميذ على التساؤل أو بناء الحُجج، وإنما تقدم له “إجابة مثالية” تُغنيه عن البحث. وهنا يبرز التناقض: نُعلّمه ليكون مفكرًا… ثم نُعطيه آلة تُفكر عنه!
2. التحيز الرقمي وإعادة إنتاج اللامساواة
تُشير Allam et al. (2025) إلى أن الأنظمة الذكية في التعليم تُبنى على بيانات غير متكافئة؛ مما يعكس تحيزًا في الصور الثقافية، والتصورات اللغوية، وتوقعات الأداء. والخطورة هنا تكمن في التحيّز، وفي غياب الوعي به لدى الطالب والمعلم معًا. فالآلة تظهر “محايدة”، لكنها تُعيد إنتاج واقع غير عادل، دون أن ينتبه أحد.
3. المراقبة التعليمية وتآكل الخصوصية
في مرحلة يُكوِّن فيها الطفل تصوره عن ذاته، قد يؤدي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتتبع الأداء والسلوك إلى خلق حالة من القلق الرقمي، خاصة مع غياب الشفافية.
وتحذّر دراسة Sandhaus et al. (2025) من الاستخدام الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي التي تُراقب ولا تشرح، وتُقيّم دون أن توضح للطالب آلية القرار.
ثالثًا: تعليم الذكاء لا يعني إلغاء المعلم
من المغالطات المنتشرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل المعلم، أو أنه أكثر فاعلية منه في إيصال المعلومة. لكن كما أظهرت Pollifroni et al. (2025)، فإن الذكاء الاصطناعي في المدارس لن ينجح إلا في بيئة تُصمم تربويًا، ويقودها الإنسان، وليس العكس. فالآلة لا تُعلّم الرحمة، ولا تُرشد إلى القيم، ولا تُحفّز الطفل على السؤال الوجودي البسيط: من أنا؟
رابعًا: ما الذي ينبغي فعله؟
لكي نُدّرس الذكاء الاصطناعي في التعليم العام بشكل تربوي، نقترح:
مبدأ تربوي التطبيق
الشفافية الخوارزمية: شرح كيف تُتخذ القرارات داخل الأدوات الذكية
العدالة التربوية: مراجعة محتوى البيانات المستخدمة في تدريب الأنظمة
التكامل الإنساني: تعزيز دور المعلم في التفسير والنقد
التربية الأخلاقية الرقمية: غرس قيم المسؤولية، والنزاهة، وحرية التفكير
مشاركة الأهل: توعية أولياء الأمور بالأدوات المستخدمة ومخاطرها
نعلّم أبناءنا ليكونوا أذكياء… لا فقط تقنيين
الذكاء الاصطناعي في المدارس يجب ألا يكون مشروعًا لتسليم العقول، ولكن فرصة لإطلاقها. فالخطر الحقيقي في غياب المعنى وراء استخدام أدواته. وإذا لم يكن التعليم أداة لتحرير الإنسان من الجهل والخوف، فلن تُجدي فيه كل خوارزميات العالم.
لنعلّم أبناءنا الذكاء الاصطناعي، نعم.
لكن لنعلمهم أولًا أن يفكروا فيه، لا به.