بحث: بعض النباتات تسهم في تلوث الهواء

بحث: بعض النباتات تسهم في تلوث الهواء

في مفارقة بيئية لافتة، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Science Advances أن بعض النباتات التي لطالما اعتُبرت منقذةً للبيئة بسبب قدرتها على تنقية الهواء، قد تسهم في تلويثه من خلال إطلاق مركبات طبيعية ضارة.

وفقًا للبحث الذي أجرته جامعة ولاية ميشيغان، فإن بعض النباتات، مثل أشجار البلوط والحور، تطلق مركبًا عضويًا متطايرًا يُعرف باسم الأيزوبرين (Isoprene)، يُستخدم كآلية دفاع ذاتية ضد الحشرات، لكنه في الوقت نفسه يتفاعل في الغلاف الجوي مع أشعة الشمس وأكاسيد النيتروجين ليُكوّن الأوزون الأرضي، وهو ملوّث معروف يسبب مشاكل تنفسية ويضر بالبيئة.

آلية دفاع تُحدث ضررًا غير مباشر

بحسب الدراسة، تنتج النباتات كميات أكبر من الأيزوبرين في ظل الظروف البيئية القاسية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، حيث تنفق ما يصل إلى 2% من مخزونها الكربوني لإنتاج هذا المركب، ما يؤكد أهميته لديها كوسيلة للبقاء.

ولتأكيد دوره، عدّل الباحثون نباتات تبغ وراثيًا لإفراز الأيزوبرين، ولاحظوا أن ديدان التبغ تجنبتها وهاجمت النباتات غير المعدّلة. وبعد عشرة أيام، أظهرت الحشرات التي تناولت أوراقًا منتجة للأيزوبرين تباطؤًا في النمو، بسبب صعوبة هضم البروتينات النباتية التي تغيّرت بفعل المركب.

لكن المفاجأة، كما أوضح الباحث الرئيسي توم شاركي، أن الأيزوبرين ليس سامًا للحشرات بذاته، بل يتسبب في رفع مستوى حمض الياسمونيك داخل النبات، وهو ما يُغيّر طبيعة البروتينات ويجعلها أكثر تعقيدًا للهضم.

تهديد غير مباشر لجودة الهواء

ورغم فعالية هذا الدفاع الطبيعي، إلا أن الأيزوبرين يُعد ثاني أكثر الهيدروكربونات العضوية المتطايرة المنبعثة على كوكب الأرض بعد الميثان. وعند خروجه إلى الجو، يتفاعل مكونًا الأوزون الأرضي الذي يُصنّف ضمن الملوثات الضارة بالجهاز التنفسي وصحة الإنسان، فضلًا عن أثره السلبي على البيئة.

خيار صعب أمام المزارعين والمهندسين

أثارت نتائج الدراسة نقاشًا بيئيًا وأخلاقيًا جديدًا، إذ تساءل شاركي: “هل علينا تعزيز قدرة المحاصيل الزراعية على إنتاج الأيزوبرين لحمايتها من الحشرات؟ أم نُقيّد هذه القدرة من أجل تقليل تلوث الهواء؟”، وهو أمر يعكس التحدي الذي سيواجه علماء الزراعة والمهندسين الوراثيين في الموازنة بين تحسين الأمن الغذائي من جهة، وحماية جودة الهواء من جهة أخرى.