الإبادة الصحية في غزة: نقص الأدوية والمعدات الطبية يهدد حياة آلاف المرضى

المركز الفلسطيني للإعلام
تكشف الأرقام عن أزمة غير مسبوقة تواجه وزارة الصحة بغزة، حيث استهدف الاحتلال المستشفيات والطواقم الطبية بشكل ممنهج، ما يزيد خطر انهيار النظام الصحي، بينما يواصل الاحتلال منع دخول الأدوية والمعدات الطبية الأساسية للمرضى والجرحى.
وعلى مدار 22 شهراً من حرب الإبادة، حوّلت جيش الاحتلال العاملين في المجال الطبي إلى أهداف مباشرة، ما عمّق الأزمة الإنسانية وفاقم انهيار النظام الصحي.
ويقول مدير عام وزارة الصحة بغزة د. منير البرش، إن البرش أن قتل وإصابة الطواقم الطبية يأتي في وقت تكثف فيه إسرائيل استهدافها الممنهج للمستشفيات والمراكز الطبية.
وأضاف في منشور عبر منصة “تليجرام”، أن ذلك يهدف إلى “تفكيك النظام الصحي وتحويل المرض والموت إلى واقع يومي”.
وعدّ البرش قتل واعتقال الأطباء والممرضين ضمن ما وصفه بـ”الإبادة الصحية المباشرة” التي يتعرض لها القطاع الصحي في غزة.
وأدى هذا الاستهداف المباشر إلى نقص حاد في الكوادر الطبية، بحسب وزارة الصحة وتقارير حقوقية، ما أعاق تقديم الخدمات للمرضى والجرحى، لا سيما في التخصصات الدقيقة.
وبلغ عدد شهداء الطواقم الطبية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلغ نحو 1581، بينهم 157 طبيبًا، 366 ممرضًا، 103 صيادلة، 254 مساعدًا طبيًا، و611 من الإداريين والعاملين في الخدمات الصحية، وفق معطيات وزارة الصحة.
في حين اعتقل 362 من أفراد الطواقم الطبية منذ بدء الحرب، بينهم 88 طبيبًا، 132 ممرضًا، 72 مساعدًا طبيًا، و47 موظفًا إداريًا، إضافة إلى آخرين من مجالات صيدلانية وصحية مختلفة.
ويتزامن ذلك مع نقص خطير في الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية، ما يحول دون الاستجابة السريعة للحالات المرضية وتسبب بوفاة عدد من المرضى.
ونشر البرش عبر منصة “إكس” فيديو يظهر الأجهزة الطبية التي دمّرها الاحتلال خلال اقتحامه السابق لمجمع الشفاء، ما أدى إلى تعطيل علاج كثير من المرضى وارتفاع أعداد الشهداء.
وناشد المجتمع الدولي الضغط من أجل الالتزام بالقوانين الدولية التي تكفل الحماية للمنظومة الصحية وللطواقم الطبية العاملة فيها حتى لا يتكرر هذا الأمر مع أي اقتحام جديد لمدينة غزة.
أرقام صادمة
وفي وقت سابق، أفاد البرش في منشور على المنصة ذاتها، بأن 15 مستشفى فقط من أصل 38 ما زالت تعمل في غزة، بينها 4 مستشفيات مركزية، مبينا أن نسبة إشغال الأسرة في المستشفيات العاملة بلغت 300%.
ووفق معطيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي، فإن المستشفيات الـ38 جميعها تعرضت للقصف أو التدمير أو الإخراج عن الخدمة، إضافة إلى 82 مركزًا طبيًا، و164 مؤسسة صحية. كما استُهدفت 144 سيارة إسعاف و54 مركبة دفاع مدني.
وتتحدث وزارة الصحة عن كارثة وشيكة في ظل عجز النظام الصحي الهش أصلاً قبل الحرب، حيث أكد البرش أن نحو 18 ألف جريح بحاجة إلى إعادة تأهيل، بينهم 718 طفلاً ضمن 4800 حالة بتر.
كما يحتاج 22 ألف مريض للعلاج في الخارج وتمنعهم إسرائيل من السفر، فيما يواجه 12,500 مصاب بالسرطان خطر الموت بسبب انقطاع العلاج. ويعاني 350 ألف مريض بأمراض مزمنة جراء منع إدخال الأدوية.
وسجّلت الصحة بغزة إصابة أكثر من مليوني شخص بأمراض معدية، إضافة إلى 71,338 حالة التهاب كبد وبائي. كما يعاني 1.2 مليون طفل من “انعدام أمن غذائي حاد”.
وطالب البرش بإجراءات فورية وعاجلة لإنقاذ الأرواح، تبدأ بالإجلاء الطبي العاجل لجرحى الحالات الحرجة في الدماغ والعمود الفقري، والجرحى الذين بحاجة لعمليات معقدة تتطلب تقنيات غير متوفرة في غزة، والمرضى الذين يتهددهم الموت إذا لم يُنقلوا العلاج فورًا.
وأشار إلى أن الأطباء يسجلون يوميا ارتفاعا في الإصابات المعقدة، بينها حالات تعفن واسعة للجروح وبتر أطراف بسبب انتشار بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.
وشدد البرش على ضرورة إدخال المستلزمات الطبية والغذائية العلاجية بشكل عاجل، وفي مقدمتها الحليب العلاجي للأطفال والرضّع، والمكملات الغذائية عالية البروتين والسعرات (مثل الإنشور)، ومحاليل جلوكوز مركّزة (20% و50%)، وأغذية علاجية جاهزة (RUTF)، والمضادات الحيوية الوريدية، إلى جانب مصادر البروتين الغذائية كاللحوم، البيض، الألبان، بالإضافة إلى السكر.
وفي تصريحات سابقة، أشار إلى أن 70% من الأدوية الأساسية غير متوفرة في مستشفيات ومراكز القطاع، ما يزيد من تفاقم الأزمة الصحية في ظل استمرار العدوان. وأضاف أنه “لم يبقَ سوى 15 مشفى تعمل جزئياً في غزة من أصل 38 مستشفى كانت تعمل بالقطاع”.
ناقوس خطر
وفي الإطار ذاته، دق مستشفى الكويت التخصصي الميداني “شفاء فلسطين”، ناقوس الخطر أمام النقص الحاد جدًا في الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية اللازمة للمرضى والجرحى نتيجة استمرار إغلاق المعابر بشكل كامل.
وأوضح أن المستشفى يعاني المستشفى من عجز يتجاوز 90% في مخزون الأدوية وخاصة الأدوية المنقذة للحياة، ما يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى بشكل مباشر.
وأكد في تصريحات تناقلتها وسائل إعلامية عبر منصة “تليجرام”، عدم وصول أي كميات من الأدوية أو المعدات الطبية منذ أكثر من خمسة أشهر، “رغم المزاعم المتكررة عن دخول مساعدات طبية، والأدوية الأساسية والبسيطة مثل المسكنات والمضادات الحيوية غير متوفرة، الأمر الذي يزيد من معاناة المرضى”.
وأشار “شفاء فلسطين” إلى أن المستشفى يستقبل يومياً حالات وفاة بين أصحاب الأمراض المزمنة والحرجة بسبب عدم تمكنهم من الحصول على العلاج اللازم، محذرا أنه في حال استمرار الوضع على وتيرته الكارثية دون تدخل عاجل، فإن معظم الخدمات الصحية في المستشفى ستتوقف بالكامل.
وطالب المشفى المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية بالتحرك الفوري لوقف حرب الإبادة، وفتح المعابر لإدخال الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، لإنقاذ حياة آلاف المرضى والجرحى في جنوب قطاع غزة.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن الغارات الجوية ونقص الإمدادات الطبية والغذاء والماء والوقود في غزة “أدت إلى استنزاف شبه كامل” لنظام الرعاية الصحية الذي يعاني من نقص الموارد، إذ خرجت العديد من المستشفيات عن الخدمة فيما مرافق أخرى بالكاد تعمل.
وتؤكد المنظمة أن ما يدخل القطاع من إمدادات طبية “ليست سوى قطرة في محيط. فالمساعدات على نطاق واسع ضرورية لإنقاذ الأرواح”.