روابط.. روابط.. روابط!

روابط.. روابط.. روابط!

مجتمعات عصر ما بعد الحداثة، تتَّجه بقوة نحو تبنِّي الفردانيَّة والوحدة، والعزلة الاختياريَّة، وهي مصابة برهاب العلاقات بالآخرين، وفرط الاعتماديَّة على الذات، مع الاستغناء وفرط الأنانيَّة.. وجميعها لها ما لها، وعليها ما عليها.

مستقبل الأخلاق والعلاقات يتَّجه إلى المجهول والقتامة.

يبدو أنَّ هناك نوبة اهتياج من التوحُّش البشريِّ، تظهر في نوعيَّة التعاملات الضبابيَّة والمربكة بين الناس، وانحدار مستوى الذوق العام، وانتشار العنف والأنانيَّة وفرط الاستحواذ. إنَّه أمر يدعو إلى الشعور بالرعب.. ناهيك عن القَرَف.

أهم ما يفشل فيه الإنسان اجتماعيًّا، تكوين علاقات صحيَّة مع غيره من البشر، وبمرور الوقت، يصبح أقلَّ لطفًا وأشدَّ توجُّسًا وأكثرَ انعزالًا. إنَّ أسوأ ما في معضلة التعاملات البشريَّة، أنَّك لا يمكنك تمييز مَن لديه نيَّات سيئة، أو يعاني من اضطرابات شخصيَّة ونفسيَّة عويصة ضارَّة، إلَّا بعد أنْ يصيبك منه شيء من الأذى والجنون!.

خيبات الأمل المتكرِّرة من التعاملات الشخصيَّة، سبب في توجُّس كثير من الناس من بعضهم، وحذرهم الشديد من أيِّ تواصل إنساني، حتى تصبح روحهم أشبه بحصن لا يفتح أبوابه لأحد. هكذا يفعل بنا الخذلان.. لا يقتلنا، لكنَّه يتركنا بجروحٍ غائرةٍ وندباتٍ جسيمةٍ وعُقدٍ نفسيَّةٍ.

ومع أنَّ تسطيح العلاقات الشخصيَّة باعث على الراحة والهدوء، وطريقة آمنة لتجنُّب الأذى وخيبات الأمل، إلَّا أنَّ لذة الحياة تكمن في عمق العلاقات الشخصيَّة لا سطحها، وتبادل التقدير ومشاعر الأمان والطمأنينة، والانتشاء بالتعاون مع الآخرين على أهداف نبيلة وممتعة. إذ لا فائدة حقيقيَّة من العلاقات الحميمة إذا لم تكن متَّكأً وسندًا، وتشبع لدينا مشاعر البهجة والسكينة، وتحوز على درجة عالية من الثِّقة المتبادلة.. لا فائدة.

معضلتنا الأساسيَّة، احتياجنا الضروري للتفرُّد والحريَّة الشخصيَّة والاستقلاليَّة والألفة الانتقائيَّة، مع ضعف ارتباطنا بالمسؤوليَّة تجاه مَن نعاشر.. وفي الوقت نفسه احتياجنا للانتماء الوثيق، وتكوين علاقات عميقة مع بعض أفراد المجتمع، والتمتُّع بالتقدير والتميُّز بينهم!.

وعمومًا، لا يمكنك الاختلاط بالناس، أو الارتباط بهم على المدى الطويل.. من دون أنْ تفقد شيئًا مهمًّا أو غاليًا في نفسك. يقول (سيوران): «إذا كانت العلاقات بين البشر بهذه الصعوبة، فلأنَّهم خُلِقُوا كي يهشِّمَ أحدُهم وجهَ الآخر.. لا لكي تكونَ لهم «علاقات»!.

وسوم: