صيت طيب

إنَّ الإنسانَ يولدُ في هذه الحياةِ، ويقضي فيها عُمُرًا، ثمَّ يُغادرها؛ لأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- لم يكتُب الخلود لبني الإنسانِ، بل جعل لهم أعمارًا وآجالًا تطول وتقصر، ولكنَّها تَفْنى في النهاية وتنقضي.. وإنَّما الذي يَبْقَى من الإنسانِ بعد رحيلِه عمله وذكره..

يبقى له العملُ الذي تثقُلُ بِهِ موازينُهُ، ويستمر به عَدَّادُ الحسناتِ في الحساب. قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدمَ انْقَطعَ عَملُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدقةٍ جاريةٍ، أوْ عِلْمٍ يُنتفَعُ بِهِ، أوْ ولدٍ صالحٍ يدعُو لهُ).

ويبقَى له أيضًا الذِّكْرُ الحَسَنُ الذي تلهجُ به الألسنةُ، وتردِّدهُ القلوبُ. وقد روى الإمامُ أحمد في مسندِه عن أنس بن مالك -رضِيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مَرَّتْ عليه جنازةٌ، فأَثْنَوا عليهَا خيرًا، فقال: (وَجَبَتْ، وَجَبَتْ)، ومَرَّتْ عليه جنازةٌ، فأَثْنَوا عليها شرًّا، فقالَ: (وَجَبَتْ، وَجَبَتْ)، فقالَ عُمر، يا رسول اللهِ، قولُكَ الأوَّل: وَجَبَتْ، وقولُكَ الآخَرُ: وَجَبَتْ؟ قال: (أما الأولُ، فأَثْنَوا عليه خيراً، فقلت: وَجَبَتْ له الجنَّة، وأمَّا الآخر، فأَثْنَوا عليه شرًّا، فقلتُ: وَجَبَتْ له النَّارُ، وأنتمْ شهداءُ الله في أَرْضِه).

وقد أحسنَ أميرُ الشعراء شوقي حينَ أطلَق حكمته البليغة:

وَخُذْ لكَ زَادَيْنِ مِنْ سِيْرةٍ

ومِنْ عَمَلٍ صالحٍ يُدَّخَرْ

وكُنْ رَجُلًا إنْ أَتَوا بعدَهُ

يقولُونَ مَرَّ وهَذَا الأَثَرْ

والنَّاظرُ في السِّيَرِ والتَّواريخِ لا يجدُ أجدَرَ بحَمْلِ هاتين الفضيلتين: فضيلة استمرار العمل، وبقاء الذِّكر، من المعلِّم.. فالمعلِّمُ يبقى أثره في تلاميذه عملًا وذِكْرًا.

فكلُّ ما يعملُونَهُ مسترشدِينَ بما علَّمهم إيَّاه، هو في الحقيقة جزءٌ من عمله.. ثمَّ هم لا يَفْتَأُونَ يَذْكُرُونَ بالخير هذا الذي أرشدَهم، وشقَّ لهم الطَّريق.

وسوم: