عاجل.. “أنت مثال يُحتذى به يا ابن عباس” موضوع خطبة الجمعة المقررة في 11 يوليو 2025

عاجل.. “أنت مثال يُحتذى به يا ابن عباس” موضوع خطبة الجمعة المقررة في 11 يوليو 2025

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 11 يوليو 2025 الموافق 16 محرم 1447، بعنوان: “لله درك يا ابن عباس”.وأكدت وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن خمس عشرة دقيقة للخطبتين الأولى والثانية.

نص خطبة الجمعة اليوم 11 يوليو 2025

لله درك يا ابن عباسالحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم، وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وتاج رؤوسنا وقرة أعيننا وبهجة قلوبنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.وبعد:
فإننا نقف اليوم وقفة تأمل عند حادثة عظيمة، ومناظرة فريدة، سطرها التاريخ الإسلامي بمداد من نور؛ إنها مناظرة الصحابي الجليل حبر الأمة، وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما  للخوارج، تلك الحادثة التي لم تكن مجرد سجال عقلي، بل كانت رحمة من الله، ونموذجا يحتذى به في التعامل مع الفكر الضال، وسبيلا لانتشال الأمة من هوة الشقاق والخلاف، لقد خرج الخوارج عن جماعة المسلمين، شقوا عصا الطاعة، وكفروا بالمآل، واستحلوا الدماء؛ ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا، وأنهم على الحق المبين، عميت أبصارهم عن فهم مقاصد الشرع، وتحجرت قلوبهم عن سماع صوت الحكمة، يفهمون الظواهر ويغفلون عن الجواهر، يركزون على الحرف ويتركون الروح، وقد نتج عن ذلك أن قامت التيارات الفكرية في زمان سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بتكفير المجتمع وحمل السلاح في وجهه بمسألة الحاكمية، فتلك هي المسألة الأم ومرتكز الإشكال، الفهم السقيم لقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.أيها الكرام، هذه رسالة إلى أصحاب الفكر المنحرف، هل أنتم حقا تفهمون حكم الله؟ سؤال إلى خوارج العصر، يا من رفعتم راية (الحاكمية) في زماننا، وظننتم أنكم ورثة الأنبياء في تطبيق شرع الله، وقسمتم الناس بين كافر ومؤمن بناء على فهمكم القاصر! هل سألتم أنفسكم حقا: من الله الذي تدعون أنكم تحكمون بحكمه؟ أليس الله هو الرحمن الرحيم؟ فهل حكمه يقتضي كل هذا العنف والتكفير والتفجير؟ هل الرحمة تتجسد في قتل الأبرياء، وتدمير الأوطان، وإشاعة الخوف والرعب بين الناس؟ ألم يقل رب العزة في كتابه الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.أيتها الأمة المرحومة، لقد امتد هذا الإشكال إلى واقعنا المعاصر، فقامت سائر التيارات المتطرفة في زماننا نتيجة هذا الفهم بتكفير المسلمين؛ مما يوصلنا إلى أن نصبح أمام منهجين؛ منهج فكري مستقيم ومستنير يقابله منهج فكري سقيم ومضطرب، مفعم بالتشنج، غاضب ومندفع وعدواني، عنده حماس الفهم للإسلام دون فقه ولا بصيرة ولا أدوات للفهم إلى غير ذلك من سماته وخصائصه الثابتة، وهو يظهر عبر الزمان على هيئة موجات متتالية، وكلما مضت عدة أجيال برزت منه موجة جديدة، بهيئة مغايرة، وتحت شعار واسم جديدين، لكنها تستصحب طريقة التفكير بعينها، وتعيد نفس المقولات والنظريات بعينها، وترتكب الأخطاء الفادحة في فهم الوحي بعينها، شعارهم (لا حكم إلا لله).أيها الكرام، قد أثمرت هذه المناظرة المباركة ثمارا عظيمة؛ حيث رجع منهم ما يقارب ألفين أو ألفين وخمسمائة رجل، وهو عدد هائل في ذلك الوقت، وهذا يدل على قوة الحجة، وصفاء المنهج، وتوفيق الله لمن قام بواجب البيان، فكيف واجه ابن عباس التطرف في زمانه؟ واجهه بالعلم الراسخ، والفهم العميق، والحوار الهادئ، والبيان الشافي، بعيدا عن الغلظة والشدة في بداية الأمر، وإنما بالحجة التي تقيم الدليل وتوضح السبيل، ليعلمنا ابن عباس رضي الله عنهما دروسا بليغة في مواجهة التطرف في أي زمان ومكان، وأنه لا يواجه بالشدة والعنف إلا بعد استنفاد كل وسائل الحوار والبيان، فلله درك يا ابن عباس.الخطبة الثانية: الضمير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: أيها المؤمنون، إن الضمير جوهر روحاني، ووارد قلبي، يحكم تصرفات الإنسان وتفكيره، ويدله الله به على الخير والشر، ويرشده به إلى رضاه، لذلك سعى الإسلام إلى تربية المسلم على يقظة الضمير، والخوف من الله ومراقبته، وتذكيره في كل أحواله بأن هناك ربا -جل شأنه-، لا يغفل، ولا ينام، ولا ينسى، وإلى هذا الحال قد أشار سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل- عليه السلام: “قال فما الإحسان؟  قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك“.عباد الله، اعلموا أن منهج الإسلام في تربية الضمير، وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس ضمان لسعادة الأفراد والمجتمعات والدول، وأنه بغياب الضمير لن يكون إلا الشقاء،والفشل إداريا واقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا؛ لأنه مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها، وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شؤون الناسف، لا بد من سبب النجاح في ذلك كله، ألا وهو: “يقظة الضمير، في الأقوال، والأفعال، بل وحتى في المشاعر وأعمال القلوب.أيها الناس، ازرعوا في قلوب أولادكم أن الضمير هو المانع لكل وجوه الفساد، فهو المانع للموظف أن يرتشي، أو يسرق، أو يختلس، والكاتب أن يزور ويدلس، والطبيب أن يهمل في علاج مريضه، والمعلم أن يقصر في واجبه، والمرأة أن تفرط بواجبها، والتاجر من أن يغش، ويحتكر، ويدلس في تجارته، وهكذا في كل مجال؛ إذا حيا الضمير تكون السعادة والإصلاح، وإذا غاب الضمير، يكون الفشل والفساد.اللهم أصلح فساد قلوبناوانشر في بلادنا بساط الأمن، والرخاء والسكينة والإخاء.