في ذكرى ميلاده.. حسن مصطفى “مدير المشاغبين” الذي احتفظ بالكثير من الأسرار

تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان الكبير حسن مصطفى، الذي ولد في السادس والعشرين من يونيو عام 1933، لتعود إلينا صورته محفورة في الذاكرة الجمعية للمصريين كأب صارم لكنه حنون، ناظر مدرسة لا ينسى، وفنان لا يمكن تجاهله حتى لو لم يحمل اسمه يوما لافتة البطولة.
خلف هذه الصورة التي رسخت في الوجدان، كانت هناك شخصية شديدة الخصوصية، مليئة بالأسرار التي لا يعرفها كثيرون عن نجم ظل لأكثر من خمسة عقود من الزمن يشارك في تشكيل وجدان الجمهور بأعماله التي تجاوزت 300 عمل فني، ما بين المسرح والتلفزيون والسينما.
ومن تلك الأسرار التي روتها ابنته نورا حسن مصطفى في أحد اللقاءات التلفزيونية، أن والدها كان في الواقع نسخة طبق الأصل من شخصية “رمضان السكري” التي جسدها في مسرحية “العيال كبرت”، لم تكن الشخصية مجرد أداء مسرحي، بل انعكاس حقيقي لطبيعته الأبوية، كان صارما في مواقفه، لكنه يغدق الحنان والتدليل على أبنائه في آن واحد، حتى صار ملاذا آمنا لهم في كل مراحل حياتهم.قالت نورا: “عندما كنا أطفالا، كان والدي يخاف علينا بشدة، ليس خوفا اعتياديا، بل قلقا مضاعفا بسبب وجوده داخل الوسط الفني، وما كان يشاهده من تحديات ومخاطر فيه، لهذا كان دائم الرفض لأن يدخل أي منا المجال الفني، رغم حبنا له”.

وقد اتضح أثر تلك التربية الصارمة المتزنة في تفاصيل الحياة اليومية، كما تروي نورا: “كنا لا نخرج كثيرا، وكل شيء في البيت كان بنظام ومواعيد استئذان، وحتى عندما كبرنا ودخلنا الجامعة، ظل ذلك الاحترام قائما في علاقتنا به، كان خجولا بطبعه، على الرغم من كونه غول مسرح في نظر الناس، ووالدتي، الفنانة ميمي جمال، كانت تبدو مسيطرة، لكنها في الواقع إنسانة طيبة وحنونة”.ومن أبرز أسراره أيضا، ما يتعلق بعلاقته بفنه، كان حسن مصطفى مختلفا عن كثير من أبناء جيله في طريقته في التعامل مع الأعمال الفنية التي تعرض عليه، لم يكن من هواة الحديث الكثير في الكواليس، وكان يفضل التركيز والعمل في هدوء، الفن بالنسبة له كان لحظة سعادة خالصة، وكان يؤمن أن وقت التصوير لا يجب أن يتسع للتوتر أو القلق.

وحين يعرض عليه عمل جديد، كان يبتعد ليقرأ السيناريو بدقة، يراجع عدد المشاهد التي يظهر بها، ويغوص في تفاصيل الشخصية، دون أن يثير أي ضجة بشأن الأجر أو مساحة الدور، لم يكن طامعا، بل كان يقدر نفسه ومكانته، وحتى إن لم يكن بطل العمل، فإن الجمهور كان دائما يعلم من هو حسن مصطفى، ويشعر بغيابه إذا لم يكن حاضرا.ومن الطرائف الجميلة التي تكشف عن بساطته ووفائه، أن أي عمل يعرض عليه وفيه الزعيم عادل إمام، كان يقبله فورا، دون أن ينظر إلى الورق أو يعرف تفاصيل الدور، كان يعتبر العمل مع عادل إمام متعة بحد ذاته، ويشعر براحة نفسية في حضوره الفني، إذ جمعتهما صداقة متينة ومهنية نادرة.

ظل حسن مصطفى طوال حياته علامة مميزة في كل عمل شارك فيه، لم يحتج إلى أن يكون البطل ليذكر اسمه، فقد كان هو “الضلع الثابت” في معادلة النجاح، الأب، الزوج، الصديق، المدير، الناظر، الحارس، المحامي، وربما المرآة التي يرى الجمهور من خلالها نفسه ومجتمعه.

رحل حسن مصطفى عن عالمنا في مايو 2015، لكنه ترك خلفه إرثا فنيا نقيا، وذكريات صادقة، وشخصية قلما تتكرر، كان فنانا صادقا مع نفسه وجمهوره، أبا حقيقيا في بيته وعلى خشبة المسرح، وحارسا وفيا لفن احترمه وعاش له.

وفي كل مرة يعرض فيها مشهد من “العيال كبرت” أو “مدرسة المشاغبين” أو “رأفت الهجان”، يعود حسن مصطفى حيا في القلوب، بابتسامته المرهفة، وصوته الدافئ، وحضوره الذي لا يغيب.