بصمة حضارية | عثمان حسن

لا يزال الذكاء الاصطناعي في علاقته بالمنتج المعرفي في أشكاله المختلفة من آداب وفنون متنوعة، يثير قطاعات واسعة من المثقفين وصناع الإبداع، بما ينتجه أو (يخترعه) على سبيل المجاز، من مفاجآت لم تخطر على بال أحد.
يشهد العالم في الآونة الاخيرة تصاعداً في الجدل حول أخلاقيات الإنتاج الفكري للذكاء الاصطناعي، والحدود الفكرية لهذا الإنتاج، وعلاقة المبدع بالآلة، بالإضافة إلى حقوق الملكية الفكرية، ولعل الأمر اللافت في هذه الجدلية هو تخوف الكثيرين من «سرقة الإبداع» عبر المحاكاة واستنساخ الأساليب التي تميز فيها المبدعون في كافة أشكال المعرفة من حول العالم.
هنا، يطرح سؤال كبير حول ما يمكن توقعه في عصر الذكاء الاصطناعي من منتجات أو ابتكارات ذات صلة بالمنتج الثقافي في أشكاله المختلفة من شعر ورواية ونصوص مسرحية وفنون تشكيلية، وحتى قطع موسيقية مقلدة، لم تنتجها نخب موسيقية عالمية، مثل بتهوفن وموزارت وجوزيف هايدن وتشايكوفسكي وغيرهم.
وإذا ما تجاوزنا الموسيقى، نحو الإبداع البشري في حقل الأدب على وجه الخصوص، فهل سنجد في مقبل الأيام رواية كبيرة مؤلفة بتوقعات تتفوق على ما أحدثته روايات أنتجت تحولاً في الذاكرة البشرية على غرار «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي، و«مئة عام من العزلة» لماركيز. هل سنتعرف -على سبيل المثال- إلى رواية أخذت من سمات الواقعية السحرية لجارثيا ماركيز مضافاً إليها نكهة من «الحرب والسلام» ل ليو تولستوي، ومطعمة أيضا بقليل من دقة الوصف للأماكن والشخصيات في «غاتسبي العظيم» لسكوت فيتزجيرالد، وبقليل من سمات «دون كيخوت» لميغيل دي ثيربانتس، و«البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، التي يستعيد من خلالها زمنه الماضي من خلال ذكرياته، باعتماد أسلوب سردي فريد.
ولكن، ماذا عن رواية «عوليس» لجيمس جيمس، التي تستكشف حيوات متناقضة لشخصيات مختلفة في مدينة دبلن، هل يفاجئنا عصر الذكاء الاصطناعي مثلاً بملحمة سردية جديدة فيها قدر عال من التجريب يتفوق على ما هو موجود في «عوليس» جيمس جويس نحو مرحلة تجريبية أخرى تستكشف حيوات متناقضة في أزمان وأمكنة مختلفة، تتجاور فيها الأسطورة مع الملاحم الكبرى، إلى جانب ميزات وسمات مختلفة من روايات عالمية معروفة؟، ماذا لوقلنا مثلاً: إن ثمة رواية جديدة ذات بصمة ثقافية إلكترونية فيها متعة سحرية تتفوق على سحرية ماركيز، وتجريبية «الخيميائي» لباولو كويلو، في قدرتها على فهم لغة الكون والتواصل معها، ناهيك عن فكرة تحقيق الأحلام البشرية، إلى ما هو أبعد مما يمكن أن تنتجه ذاكرة السرد العالمي والنخبوي؟.
أكثر من ذلك، هل سنكون في مقبل الأيام أمام لوحة فنية فيها بعض غرائبية بيكاسو، وسيريالية سلفادور دالي، وما قد يتفوق على «موناليزا» دافنشي، أهم وأشهر لوحة في التاريخ البشري، وأكثر من ذلك -ربما- لوحة بتنبؤات فنية يقف النقد عاجزاً عن الخوض في تفسيرها أو فك ألغازها.
[email protected]