إسرائيل تستكشف خيارات جديدة بدلاً من “إنهاء المهمة” في غزة

إسرائيل تستكشف خيارات جديدة بدلاً من “إنهاء المهمة” في غزة

بعد إعلان الفشل الرسمي لمفاوضات الدوحة الرامية لوقف إطلاق النار في غزة، يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن على إسرائيل «إكمال مهمتها المستحيلة في القطاع، وتصعيد الحرب من أجل «التخلص» من حماس، و«تحرير الرهائن»، على الرغم من الفشل العسكري المستمر منذ 22 شهراً، والخسائر المتواصلة في صفوف الجنود، لكن البدائل ليست واضحة أمام حكومة نتنياهو التي يطالب أعضاؤها بتحقيق النصر الكامل.

ترامب وإفشال الصفقة

وتناقض تصريحات ترامب بشأن غزة، صورته الداعية لإنهاء الحروب، وسعيه لنيل جائرة «نوبل للسلام»، لكنها تأتي في وقتٍ يتفاقم فيه الوضع الإنساني سوءاً، مع تزايد التقارير الواردة من الأمم المتحدة ووكالات أخرى عن موت الفلسطينيين جوعاً، بسبب الحصار الإسرائيلي المطبق على القطاع منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبعد مكالمة هاتفية مع نتنياهو، تحدث ترامب للصحفيين قبل مغادرته إلى اسكتلندا قائلاً: «حماس لم تكن ترغب حقاً في إبرام صفقة. أعتقد أنهم يريدون الموت، وهذا أمرٌ سيء للغاية. لقد وصل الأمر إلى حدٍّ يستدعي إنهاء المهمة».

وتابع ترامب أن الإسرائيليين «سيضطرون للقتال، وسيضطرون لتصحيح الوضع – سيتعيّن عليكم التخلص من حماس».

ملاحقة «حماس»

وبحسب موقع «إكسيوس» الأمريكي، فإن ترامب يعتقد دائماً أن «حماس» لن ترغب في إطلاق سراح الرهائن المتبقين؛ لأنها لا تريد خسارة «ورقة مساومة» و«حمايتها»؛ لأنها تعرف ماذا سيجري لها بعد تسليم آخر ما تبقى لديها من رهائن. وقال ترامب عن حماس: «الآن سيُلاحقون».

وعلى الرغم من اعتبار كلمات ترامب ضوءاً أخضر للتصعيد العسكري في القطاع، لكن على أرض الواقع، تطارد إسرائيل مقاتلي حماس في غزة منذ ما يقرب من عامين، وتمكنت من إضعافها عسكرياً، لكنها لم تنجح في القضاء عليها نهائياً، إذ لا يزال مقاتلو الحركة ينصبون الكمائن، بقوة وجرأة يراها إسرائيليون مدهشة، وتظهر تغييراً في التكتيك العسكري، رغم الضربات الإسرائيلية المتواصلة لقياداتها والعديد من صفوفها الأولى.

وعلى الرغم من النجاح الإسرائيلي في اغتيال معظم قيادات حماس العسكرية، والتي كانت موجودة خلال هجمات 7 أكتوبر، إلى جانب آلاف المقاتلين، لكن الحركة لم تُغير بشكل ملحوظ مطالبها الأساسية لوقف إطلاق النار، واتفاق الأسرى، وليس من الواضح ما إذا كان المزيد من القتال سيُحقق ما لم تُحققه الشهور العشرون الماضية.

ولطالما جادل مفاوضو الحركة، المتمركزون في الدوحة، بأن إسرائيل هي التي لم تُرد وقف القتال. وفي الأسبوع الماضي، وافقت إسرائيل على اقتراح وقف إطلاق النار من الوسيطين القطري والمصري، لكن «حماس» حاولت تقديم عرض مُقابل رفضته إسرائيل بسرعة، ليتم الإعلان رسمياً من واشنطن عن انهيار مفاوضات الدوحة، والتي كانت تُظهر تقدماً ملحوظاً.

وفور الخطوة المفاجئة، استدعت إسرائيل مفاوضيها، بينما قال مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف إن رد حماس «يُظهر عدم رغبة في التوصل إلى وقف إطلاق نار»، وقال إن الولايات المتحدة ستنظر الآن في «خيارات بديلة» لإعادة الرهائن إلى ديارهم.

خيارات بديلة أم خلق أزمة

ويوم الجمعة، ردد نتنياهو تصريحات ويتكوف، قائلاً إن إسرائيل والولايات المتحدة ستبحثان عن «خيارات بديلة لإعادة رهائننا إلى ديارهم، وإنهاء حكم حماس، وتحقيق سلام دائم لإسرائيل ومنطقتنا».

لكن مصطلح «الخيارات البديلة» يثير الكثير من الجدل داخل وخارج إسرائيل، فأهداف نتنياهو العسكرية، والتي لم تتحقق طوال فترة الحرب، يرى مسؤول إسرائيلي كبير أنه لا يزال من غير الواضح ماهية هذه البدائل الممكنة لتحقيقها.

وقال مسؤول، إنه من الضروري «خلق أزمة» لكسر الجمود في المحادثات، لكنه جادل بأنه ليس من مصلحة إسرائيل انهيار المحادثات تماماً.

وبينما تمني حكومة نتنياهو نفسها في النصر أخيراً في الحرب، نجد إسرائيل تسيطر فعلياً على 70% من مساحة قطاع غزة، في حرب عصابات يرى خبراء غربيون أن جيشها عاني في معركة فرضت عليه فوق الأرض وتحتها، حاول خلالها التكيف مع التحديات المعقدة التي فرضتها «حماس» على ساحة معركة أعدتها على مدار 17 عاماً، ورغم شهور الحرب الطويلة، إلا أن حماس لا تزال تقاتل بضراوة، ولم تهزم بعد.

توسيع الاستيطان واحتلال القطاع بالكامل

وجاءت أبرز تعليقات وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير على تصريحات ترامب، بأن «أفضل طريقة» لإنقاذ الرهائن المتبقين هي «الوقف الكامل للمساعدات الإنسانية، والاحتلال الكامل لقطاع غزة، وتدمير حماس، وتشجيع الهجرة والاستيطان».

كذلك، رحّب وزير المال بتسلئيل سموتريتش بتعثر المحادثات غير المباشرة مع «حماس»، ووصفها بأنها عملية «مهينة»، وخاطب نتنياهو قائلاً: «السيد رئيس الوزراء، حانت ساعة النصر».

المجاعة تفتك بغزة

وبينما تتبادل إسرائيل وحماس الاتهامات بإجراء مناورة سياسية بهدف ممارسة الضغوط لتحقيق قدر أكبر من المكاسب خلال المفاوضات غير المباشرة في الدوحة، تفتك المجاعة سكان غزة؛ حيث سجلت وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع الجمعة، مصرع تسعة أشخاص آخرين بسبب مضاعفات مرتبطة بالجوع خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.

وأضافت الوزارة، أن 122 فلسطينياً لقوا حتفهم في الأيام الأخيرة بأعراض مماثلة، من بينهم 83 طفلاً.

إنزال جوي للمساعدات

وتواصل الحكومة الإسرائيلية نفي وجود مجاعة في غزة، لكن مسؤولاً كبيراً في جيش الدفاع الإسرائيلي، أقرّ الجمعة، بأن الوضع الإنساني في غزة «خطر للغاية».

وصرّح المسؤول بأن الحكومة الإسرائيلية ستسمح لدول عربية باستئناف عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الغذائية في غزة، نظراً للوضع الراهن. وكانت إسرائيل قد سمحت آخر مرة بعمليات إنزال جوي العام الماضي عندما كان الوضع على وشك المجاعة. وشاركت الولايات المتحدة في عمليات الإنزال الجوي هذه في عهد إدارة جو بايدن.

تمسك مصري قطري بالوساطة

الإعلان الأمريكي الإسرائيلي عن فشل المفاوضات قوبل بتمسك من القاهرة والدوحة على مواصلتها، إذ أصدر الوسيطان المصري والقطري بياناً، يوم الجمعة، زعما فيه أن الأسبوعين الأخيرين من المفاوضات أحرزا تقدماً، وأن المحادثات ستتوقف مؤقتاً للسماح بإجراء مشاورات بين الجانبين قبل استئنافها في الأيام المقبلة.

وصرّح مصدر مطلع على القضية، بأن الوسطاء يرغبون في استئناف المحادثات مطلع الأسبوع المقبل. ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه لا توجد خطة في الوقت الحالي لإعادة فريق التفاوض إلى الدوحة.

بريطانيا وألمانيا وفرنسا: حان وقت إنهاء كارثة غزة

وعلى الصعيد الدولي، أجرى قادة المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا مكالمة هاتفية «طارئة» يوم الجمعة لمناقشة الوضع في غزة.

وقالوا في بيان مشترك: «حان الوقت لإنهاء الحرب في غزة. نحث الأطراف على إنهاء الصراع بالتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار». وأكدوا أن «الكارثة الإنسانية» في غزة «يجب أن تنتهي الآن»، ودعوا الحكومة الإسرائيلية «إلى رفع القيود المفروضة على تدفق المساعدات على الفور والسماح للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الإنسانية على وجه السرعة بالقيام بعملها من أجل اتخاذ إجراءات ضد المجاعة».