أكثر من مجرد اعتداء | افتتاحية الخليج

ما يجري في سوريا خطر، وخطر جداً. فالعدوان الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة السورية دمشق ومناطق أخرى، وبالذات القصر الرئاسي ووزارة الدفاع ومؤسسات رسمية، يتجاوز ما تدعيه إسرائيل من حماية طائفة الموحدين الدروز، إنها مجرد أدوات لمخطط أوسع وأكبر، وله تداعيات جيوسياسية وديموغرافية تدخل في صلب المشروع الذي يعمل بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية، على تنفيذه في إطار رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط لتعزيز مصالح إسرائيل الاستراتيجية وسعيها للتجزئة وتعزيز النفوذ، والعمل على تفتيت سوريا وتقسيمها إلى كانتونات طائفية، بحيث تسقط كدولة ومؤسسات، وتتحول إلى كيان هش لا يشكل تهديداً لها. وهو هدف تعمل عليه حكومة نتنياهو تجاه الدول العربية الأخرى التي ترى فيها تهديداً مستقبلياً لها.
تريد إسرائيل في عدوانها على سوريا التأكيد على أنها تستطيع العمل في كل الاتجاهات، وأن أحداً لن يقدر على ردعها أو التصدي لها، لتعزيز فكرة «الحرب بلا نهاية» التي يتبناها نتنياهو ووزير خارجيته كاتس والليكود وبن غفير وسموتريتش طالما هناك ما يهددها في المنطقة.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتابع بقلق ما يجري على الأراضي السورية، دانت العدوان الإسرائيلي وأكدت رفضها التام لانتهاك سيادة سوريا وتهديد أمنها واستقرارها، مؤكدة أهمية التهدئة وحماية المدنيين، ودعمها للجهود الرامية لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو موقف اتخذته معظم الدول العربية انطلاقاً من التزامها بالوقوف إلى جانب سوريا وشعبها، ورفض هذا العدوان بكل ما يمثله من انتهاك لسيادة دولة عربية ووحدة أراضيها.
من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية مصرّة على المضي في مخططها، وهي ترى أن الفرصة متاحة عن طريق استغلال طائفة الموحدين الدروز في جنوب سوريا طالما هي قادرة على ذلك، وقد طرحت «القناة 13 العبرية» تساؤلات حول ما يمكن أن تفعله إسرائيل: «هل ستضم الأراضي؟ هل ستحمي «الجيب الدرزي» وتنتزعه من الدولة المفككة»، وقالت هذه أسئلة ستتطلب إجابة عنها قريباً. ومن الواضح أن القوات الإسرائيلية التي تمددت خلال الأشهر الأخيرة في مرتفعات الجولان المحتلة، وصولاً إلى حوض اليرموك قرب درعا، وحتى أرياف دمشق لن تنسحب منها «وهو شرط أساسي لأي تطبيع أو اتفاق سلام مع دمشق»، كما أكد ذلك وزير الخارجية جدعون ساغر وغيره من وزراء حكومة نتنياهو.
إن زعم إسرائيل حماية الدروز هو نفاق صريح، لأن قانون القومية الذي صادق عليه الكنيست بأغلبية 62 صوتاً مقابل 55 صوتاً هو قانون عنصري بامتياز، يميز بين اليهود كمواطنين درجة أولى، والعرب وبينهم الدروز كمواطنين درجة ثانية وثالثة، وأن ادعاء حمايتهم في سوريا مجرد ذريعة لتنفيذ مخططاتها.
الرئيس السوري أحمد الشرع أدرك المرامي الإسرائيلية، لذلك أكد في كلمته إثر العدوان الإسرائيلي أن «أهلنا الدروز هم جزء أصيل من نسيج هذا الوطن»، وخاطبهم بالقول «نؤكد لكم أن حماية حقوقكم وحريتكم من أولوياتنا، وأننا نرفض أي مسعى يهدف لجرّكم إلى طرف خارجي، أو إحداث انقسام داخل صفوفنا»، أضاف «إن بناء سوريا الجديدة، يتطلب منا جميعاً الالتفاف حول دولتنا».
إن وحدة السوريين كفيلة بإسقاط كل مخططات الفتنة والتقسيم، وقطع الطريق على إسرائيل في استغلال الطائفية والمذهبية لتكريس أطماعها.