إبراهيم خالد يكتب لـ«الحرية»: إيران في أزمة ومصر في موقف صعب.. من يحافظ على الاستقرار في الشرق الأوسط؟

ما جري صباح 15 يونيو 2025 غرب طهران ليس مجرد غارة عسكرية، إنه اعتداء صارخ على سيادة دولة كبرى، وهجوم يُشبه في رمزيته السياسية لا العسكرية، إعلان حرب باردة جديدة، لكن هذه المرة ليست بين واشنطن وموسكو، بل بين تل أبيب وكل من تسعى للاستقلال الإقليمي الحقيقي.
الهجوم الذي استهدف اجتماعًا عالي المستوى لمجلس الأمن القومي الإيراني، بحضور الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان وقيادات السلطات الثلاث، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن محاولات متكررة لإضعاف الدور الإيراني الإقليمي، وتهميشه كقوة مركزية في المعادلة الجيوسياسية للمنطقة.
لنتحدث بواقعية، إيران ليست دولة هامشية، بل رقم ثابت في توازن القوى الإقليمي، ورغم كل الضغوط، أثبتت القيادة الإيرانية نضجًا استراتيجيًا كبيرًا، إذ تعاملت مع الهجوم بضبط نفس يُحسب لها، ولم تندفع نحو ردود انتقامية قد تُشعل حربًا إقليمية.
إصابة الرئيس الإيراني في ساقه، ونجاته من محاولة الاستهداف، لن تُضعف شرعية الدولة، بل على العكس، ستزيد من الالتفاف الشعبي حول القيادة المنتخبة ديمقراطيًا، وتكشف أن طهران – رغم الاستهداف المتكرر – ما زالت صامدة، ومتمسكة بمسارها السيادي.
الهجوم يثبت شيئًا واحدًا: من يخشى الكلمة الحرة في طهران، يلجأ للصاروخ بدل المناظرة.
أما في القاهرة، فإن الدور المصري في لحظات كهذه لا يُقاس فقط بالتصريحات، بل بالحضور الهادئ المتماسك في كواليس السياسة. فـالرئيس عبد الفتاح السيسي لا ينظر إلى إيران كخصم، بل كمكوّن مهم في المعادلة، ويدرك أن انهيار التوازن بين القوى الإقليمية لن يصب في مصلحة أحد، وخصوصًا الدول الكبرى ذات المسؤولية الحضارية كمصر.
القاهرة تقرأ الحدث جيدًا، وتعي أن العبث بالأمن الإيراني هو عبث بالأمن الإقليمي برمّته. ولهذا، تتصرف بحكمة الدولة العريقة: لا انفعال، ولا تهويل، بل متابعة دقيقة، واستعداد هادئ للوساطة أو الضغط متى وجب.
في المقابل، لا يبدو أن هناك مستفيدًا حقيقيًا من إشعال الساحة سوى إسرائيل، التي تحاول منذ سنوات خلط الأوراق وفرض واقع جديد عبر الاستفزازات الأمنية والاستخباراتية.
لكن على إسرائيل أن تفهم أن العالم تغيّر. الضربات الخاطفة لم تعد تُربك الدول الناضجة، بل تُظهر هشاشة مطلقها، وتكشف عن قلق داخلي يدفعها للمقامرة بدل السياسة.
ما جرى في طهران لا يجب أن يُفهم كرسالة لإيران وحدها، بل كتحدٍّ صريح لكل الدول العاقلة في المنطقة. وفي مقدمتها مصر.
إيران التي صمدت، ومصر التي تترفع عن الانفعال، هما اليوم ركيزتا الاستقرار الحقيقي. وكلما تعمّقت الفوضى، ازداد وزن العواصم العاقلة. فالعقلانية في هذا الشرق المشتعل لم تعد فضيلة، بل أصبحت ضرورة وجود.