عودة ملف سد النهضة إلى الساحة: إعلان إثيوبي يثير القلق في مصر والسودان

عودة ملف سد النهضة إلى الساحة: إعلان إثيوبي يثير القلق في مصر والسودان

بعد أكثر من عقدٍ من الشدّ والجذب والمفاوضات المتعثرة، أعلنت إثيوبيا رسميًا اكتمال بناء سد النهضة، وأكدت عزمها على افتتاحه في سبتمبر المقبل، معتبرة أن ذلك بداية فصل جديد في ملف هو الأشد تعقيدًا في تاريخ العلاقات بين دول حوض النيل.

ملف سد النهضة يعود إلى الواجهة

وبينما تحتفل أديس أبابا بما تصفه بإنجازها، يثير هذا الإعلان موجة قلق متجددة في مصر والسودان، حيث تخشيان من التأثيرات المائية والاقتصادية والسياسية للمشروع العملاق.

سد النهضة الإثيوبي الكبير والمعروف سابقًا بسد الألفية، هو مشروع ضخم لتوليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، يقع على النيل الأزرق في إقليم بني شنقولقماز الإثيوبي، على بُعد 15 كيلومترًا من الحدود مع السودان.

بدأ بناء السد رسميًا في أبريل 2011، ويعد أحد أضخم المشاريع في أفريقيا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 6.45 جيجاواط، مما يجعله الأكبر من نوعه في القارة، والسابع عالميًا.

تاريخ الخلافات على مياه النيل

يعود تاريخ النزاع حول مياه النيل إلى أوائل القرن العشرين، عندما وقعت عدة اتفاقيات لتنظيم حصة دول الحوض، أبرزها اتفاقية 1929 واتفاقية 1959 بين مصر والسودان التي منحت مصر 55.5 مليار متر مكعب سنويًا والسودان 18.5 مليار، دون إشراك إثيوبيا، وجاء مشروع سد النهضة ليحي الجدل التاريخي، خاصة مع إعلان أديس أبابا البدء في البناء دون توافق كامل مع دول المصب، والتي تتمثل في دولتي مصر والسودان.

وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 8 مليارات دولار أمريكي، وتم تمويل السد ذاتيًا من الحكومة الإثيوبية من خلال إصدار السندات وتبرعات المواطنين، ومن جانبها ساهمت الصين بتمويل معدات التوربينات والمكونات الكهربائية بقيمة 1.8 مليار دولار، وتولت شركة “وي بيلد” الإيطالية (ساليني سابقًا) أعمال البناء.

أثار السد خلافات حادة مع مصر، التي تعتمد بشكل شبه كامل على مياه النيل، وكانت تخشى من تأثير ملء السد على حصتها من المياه، خاصة خلال فترات الجفاف، إضافة إلى التأثير على الزراعة وإنتاج الكهرباء من السد العالي، فحاولت مصر الوصول إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، لكن المفاوضات تعثرت مرارًا.

ومن جانبها، أخذت دولة السودان موقفًا أكثر توازنًا، حيث اعترفت بفوائد السد في تقليل الفيضانات وتوفير الكهرباء الرخيصة، لكنها أعربت عن قلقها من المخاطر الفنية التي تتعلق بأمان السد وتأثيراته على منشآته المائية، خصوصًا في حال وجود أي انهيار مفاجئ أو فشل في التنسيق خلال الملء.

التسلسل الزمني لأهم أحداث سد النهضة:

1956-1964: تحديد موقع السد من قبل مكتب الاستصلاح الأمريكي.
2009-2010: مسح الموقع من قبل الحكومة الإثيوبية.
2 أبريل 2011: وضع حجر الأساس للمشروع.
يوليو 2020: بدء ملء خزان السد بشكل أحادي من قبل إثيوبيا.
مارس 2015: توقيع إعلان المبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم.
يناير 2020: وساطة أمريكية تنتهي باتفاق غير موقع من إثيوبيا.
يوليو 2023: إعلان إثيوبيا استكمال الملء الرابع لخزان السد.

الآثار البيئية والاجتماعية لبناء السد

أثار السد جدلًا بشأن تأثيراته البيئية والاجتماعية، حيث أشارت تقديرات المتخصصين إلى أن حوالي 20,000 شخص قد أُجبروا على الانتقال من منطقة المشروع، ومن جانب آخر، كانت هناك احتمالات لتأثيرات على النظام البيئي، ومصايد الأسماك، وزيادة نسبة التبخر، ومع غياب دراسات شفافة منشورة، تبقى المخاوف البيئية محل نقاش واسع.

موقف مصر من اكتمال مشروع سد النهضة

صف وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، سد النهضة الإثيوبي بأنه “غير شرعي” ومخالف لأحكام القانون الدولي، مشيرًا إلى أن إثيوبيا تتعامل بمنطق فرض الأمر الواقع دون احترام الاتفاقيات الموقعة.

وفي تصريحات متلفزة، أكد سويلم أن إثيوبيا انتهكت بشكل واضح اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا، خاصة البند الخامس الذي ينص صراحة على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن آليات ملء وتشغيل السد قبل المضي في التنفيذ، وهو ما لم تلتزم به أديس أبابا.

وأوضح الوزير أن إثيوبيا أخلت بالتزاماتها تجاه دولتي المصب من خلال عدم تبادل البيانات الفنية، وعدم إخطار الجانبين بأي ظروف طارئة قد تؤثر على تدفق المياه، مشيرًا إلى تجاهلها لتوصيات اللجنة الدولية من عام 2013، والتي دعت إلى إعادة مراجعة دراسات أمان السد قبل استكمال البناء، مضيفًا: “بهذه الإجراءات، تكون إثيوبيا قد خرقت بشكل صريح إعلان المبادئ”.

ورأى سويلم أن التصريحات الإثيوبية الأخيرة ما هي إلا محاولة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، الذي بات يدرك أبعاد الموقف الحقيقي. وتحدى الوزير المصري الحكومة الإثيوبية بترجمة أقوالها إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن حقوق مصر والسودان المائية، مشيرًا إلى أن ذلك لم يحدث طيلة 13 عامًا من التفاوض دون نتائج حاسمة.

وشدد سويلم على أن مصر استنفدت كل السبل التفاوضية وقدمت العديد من المقترحات العادلة، لكنها لم تلقَ تجاوبًا من الجانب الإثيوبي، مضيفًا أن القضية تجاوزت البُعد الفني وأصبحت اليوم مسألة سيادة وأمن قومي تمس حاضر الشعب المصري ومستقبله.

وفيما يتعلق بتأثير السد على دول الجوار، أوضح سويلم أن السودان هو الأكثر عرضة للخطر في بعض الحالات نظرًا لقربه الجغرافي من السد، مؤكدًا أن مصر لديها بعض الوقت لامتصاص آثار الفتح أو الإغلاق المفاجئ، أما السودان فلا يملك سوى دقائق، مما يعرّض منشآته المائية، وخاصة سد الروصيرص، لخطر جسيم في حال وقوع أي خطأ.

اقرأ أيضًا: محلل سياسي لـ«الحرية»: تصريحات آبي أحمد عن سد النهضة ليست بجديدة.. ومصر بإمكانها الرد والدفاع عن أرضها