أسطورة إيفرجراند: من العظمة إلى الانهيار

عرضت المسؤولة بإحدى الشركات الصينية، فيكتوريا يو، شقتها السكنية الواقعة بمدينة هيفاي الصناعية للبيع هذا العام بسعر الشراء الأوّلي، بعدما اشترتها قبل 3 سنوات مقابل 330 ألف دولار، لكنّها سحبت العرض في النهاية لعدم تقبّلها خسارة أكثر من 100 ألف دولار، رغم نصيحة وكيلها العقاري بقبول تلك الخسارة الآن، لأن البيع سيكون أصعب لاحقًا.
الاستثمار العقاري
تقدّم يو نموذجًا على كيفية تأثر مدخرات الأسر – التي تميل للاستثمار في العقار باعتباره من الأصول الآمنة – بالأزمة الراهنة في سوق العقارات الذي شكّل في ذروته حوالي ثلث الاقتصاد المحلي، والتي بدأت مع انهيار «تشاينا إيفرجراند» تحت وطأة الديون.
الاكتتاب في 2009
أسست «تشاينا إيفرجراند» – المتخصصة في الشقق السكنية – عام 1996، وتوسعت سريعاً مدفوعة منذ البداية بالاقتراض المكثف، حتى بلغ إجمالي التزاماتها 360 مليار دولار بنهاية 2021.
عندما طرحت «إيفرجراند» – التي كانت أكبر شركة تطوير عقاري في الصين من حيث المبيعات – للاكتتاب العام في هونغ كونغ، الذي شهد إقبالاً هائلاً عام 2009، كان سوق العقارات الصيني في أوج ازدهاره.
وأوضحت الشركة في نشرة الاكتتاب: نحن من أبرز شركات تطوير العقارات السكنية المتكاملة الواسعة النطاق في الصين، حيث نمتلك احتياطيات من الأراضي تبلغ 45.8 مليون متر مربع من إجمالي المساحة قيد التطوير أو مخصصة للتطوير المستقبلي بمواقع استراتيجية في جميع أنحاء البلاد.
وعلى مدار تاريخها، استثمرت الشركة أيضًا في صناعة السيارات الكهربائية واشترت نادياً محلياً لكرة القدم.
أيقونة القطاع
كانت «إيفرجراند» نموذجًا بقطاع العقارات الصيني، مما ساهم في دفع مؤسسها «هوي كا يان»، ليصبح واحدًا من أغنى رجال الأعمال في آسيا.
لكنّ ثروته تراجعت بعد ذلك مع انهيار شركته، من 45 مليار دولار تقريبًا في 2017، لتقل عن مليار دولار.
وتم تغريمه 6.5 ملايين دولار في مارس 2024، وتم حظره من سوق رأس المال الصيني طوال حياته، بسبب اتهامات تشمل التلاعب بالسجلات المالية.
بداية الأزمة
في 2020، فرضت بكين قواعد للحد من إفراط المطورين العقاريين في الإقراض، في خطوة سببت تدهورًا حادًا في القطاع ودفعت العديد من الشركات لحافة الهاوية.
في مواجهة أزمة السيولة، جمّد المطورون بناء مشاريع الإسكان في أنحاء البلاد، حينها لجأت الحكومة لاتخاذ تدابير – بدلاً من خطة إنقاذ شاملة – منها تخفيف قيود الشراء وتشجيع البنوك على زيادة الإقراض، لكن أسعار المنازل في الصين واصلت التراجع رغم الإجراءات الداعمة.
وقد دفعت الأزمة «إيفرجراند» لعرض عقاراتها بخصومات كبيرة لضمان تدفق الأموال اللازمة لاستمرار أعمالها، ونظرا لصعوبة سداد فوائد الديون، سرعان ما تخلفت عنه في 2021. وتخلّفت «إيفرجراند» عن سداد أكثر من 300 مليار دولار، والتي شكّلت شرارة انطلاق أزمة العقارات في الصين.
وفي 2022، تخلفت أيضًا الشركتان العقاريتان «كانتري جاردن» و«سوناك» عن سداد ديونهما.
تدنّي الأسعار
بدأت أسعار العقارات في الانخفاض خلال 2022 وتوقّف السوق العقاري تمامًا بعد سنوات من الطلب المتزايد، ليس فقط نتيجة للقيود على الإقراض، بل للتداعيات الاقتصادية لعمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة «كوفيد -19»، وغيرها.
وبحلول أغسطس 2024، سجلت الصين أكبر تراجع سنوي في أسعار العقارات منذ 9 سنوات، إلى جانب ملايين الشقق غير المكتملة التي تركها المطورون المثقلون بالديون.
بدأ تعليق التداول على سهم «إيفرجراند» في يناير 2024، عندما أمرت محكمة في هونغ كونغ الشركة المدرجة بالتصفية بعد سنوات من فشل محادثات إعادة الهيكلة.
وعند انهيار الشركة كان لديها حوالي 1300 مشروع قيد التطوير في 280 مدينة في أنحاء الصين.
وبلغت قيمتها السوقية عند تعليق تداول السهم 2.15 مليار دولار هونغ كونغ (275.3 مليون دولار)، بانخفاض عن ذروتها البالغة 398.8 مليار دولار هونغ كونغ في 2017.
تحذير
أعلنت بورصة هونغ كونغ أخيرا، أنها ستلغي إدراج «إيفرجراند» بعدما فشلت في الالتزام بالتوجيهات التي تقضي باستئناف تداول السهم في غضون 18 شهرًا.
وأصبح واضحا أن إجراء إصلاح شامل للشركة سيكون بعيد المنال.
الشطب رسمياً
بعد أكثر من عقد ونصف من التداول، تم شطب سهم شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم – بديون بلغت 300 مليار دولار – رسميًا من بورصة هونغ كونغ في 25 الجاري، في خطوة تسدل الستار على شركة جسدت صعود وانهيار قطاع العقارات الصيني.
ويعكس شطب السهم رسميًا التفكك البطيء والمؤلم للقطاع، بعدما نجحت السياسات الحكومية في منع انهيار مفاجئ، لكنّها سببت تباطؤًا حادًا. (أرقام)