الاستثمار والديون: حل مدمج لأزمة التنمية

“الاستثمارات مقابل الديون”.. آلية لطالما رأى فيها المستثمرون، حلا مزدوجا لأزمة التنمية.
فمن جانب تتيح للحكومة سداد الالتزامات المالية على الدولة، ومن جانب آخر تجذب تدفقات استثمارية حقيقية تساعد على تحقيق التنمية.
وفي الوقت الحالي تتوسع الحكومة في مبادلة الديون بالاستثمارات، وهى خطوة يرى مستثمرون وخبراء أنها يمكن أن تتحول من مجرد أداة لتخفيف الأعباء المالية إلى محفز حقيقي لاستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة، خاصة في قطاعات الطاقة النظيفة والصناعة والتصدير، بشرط وضوح آليات التطبيق وثبات السياسات الاقتصادية.
هلال: “المالية” بدأت الترويج للمبادرات بشكل موسع باعتبارها أداة استثمارية
بداية، اعتبر محرم هلال رئيس اتحاد المستثمرين، أن مبادرات مثل مبادلات الديون يمكن أن تفتح مجالات حقيقية لشراكات مباشرة بين المستثمرين المصريين والأجانب، خاصة فى القطاعات التى تجمع بين ميزة تنافسية محلية وخبرة أجنبية متقدمة.
أضاف لـ «البورصة»، أن هذه المبادلات تمثل فرصة لتقليل مخاطر الاستثمار على المستثمر الأجنبي من خلال الشراكة مع المستثمر المصري الذى يمتلك معرفة أكبر بالسوق المحلي، وفى الوقت نفسه تتيح للمستثمر المصري التوسع والتصدير والاستفادة من تمويلات خارجية.
أشار هلال، إلى أن وزارة المالية بدأت بالفعل الترويج لهذه المبادرات بشكل موسع باعتبارها أداة استثمارية وليست مجرد وسيلة لتخفيف عبء الدين، مؤكداً أن هذا التوجه يبعث برسالة ثقة للمستثمرين بأن الدولة جادة فى جذب رؤوس أموال جديدة، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي بالشراكة مع القطاع الخاص.
وقال سمير عارف رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، إن مبادلات الديون يمكن أن تتحول إلى استثمارات صناعية مباشرة، خاصة إذا جرى توجيهها نحو قطاعات إنتاجية استراتيجية داخل المناطق الصناعية.
وأوضح أن جذب هذه الاستثمارات يتوقف على طريقة تصميم المبادرات وآليات تنفيذها، بحيث تتضمن حوافز واضحة وتشجع المستثمرين على توسيع مصانعهم أو إنشاء خطوط إنتاج جديدة.
عيسى: قطاعا الطاقة المتجددة والرياح.. الأكثر جذبًا للمستثمرين
وتحدث علي عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، مؤكدا أن مبادلات الديون سيكون لها دور مهم فى تعزيز جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى أن هذه المبادلات لن تقتصر على كونها أداة لتخفيف الدين بل ستسهم أيضًا فى تحفيز شراكات مباشرة بين المستثمرين المصريين والأجانب.
أضاف أن أكثر القطاعات المتوقع أن تجذب اهتمام المستثمرين، هي الطاقة المتجددة وطاقة الرياح، خاصة فى ظل كون مصر الدولة الأبرز أفريقيا في الاستثمار في قطاعات الطاقة النظيفة.
أشار عيسى، إلى أن تجارب مماثلة فى باكستان وإندونيسيا خير دليل على ذلك، إذ استفادت الأولى من توجيه جزء من المبادلات لمشروعات التعليم والصحة، وهو ما رفع مستوى الخدمات وعزز ثقة المستثمرين.
بينما وجهت إندونيسيا المبادلات لمشروعات الحفاظ على الغابات والطاقة النظيفة، ما دعم جهود التنمية المستدامة وجذب استثمارات إضافية رفعت ترتيب الدولة فى مؤشرات الاستقرار الاقتصادي.
وقال مجدي الدين المنزلاوي رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن مبادلات الديون ستتيح للدولة استغلال الأصول غير المستغلة عبر آلية تجمع بين القطاعين العام والخاص، إذ جرى تخصيص جزء من هذه الأصول ضمن اتفاقيات المبادلة، بينما احتفظ القطاع الخاص بحرية التصرف فى الجزء الآخر.
وأوضح لـ «البورصة»، أن المستثمرين سواء مصريين أو أجانب يمكنهم الدخول فى هذه المبادلات عبر سداد جزء من الدين مقابل استثمار مباشر فى الأصول، وهو ما سيساعد الدولة على تخفيف الأعباء المالية وفى الوقت نفسه ضخ استثمارات جديدة فى السوق.
وكشف محمد هنو عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن مبادلات الديون مثلت في الأساس أداة سيادية لتخفيف عبء الدين العام، لكنها تحولت تدريجيًا إلى وسيلة غير مباشرة لدعم تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو السوق المصري.
وأوضح أن نتائج هذه المبادلات ستنعكس على زيادة التبادل التجاري بين مصر والدول الشريكة، وهو ما سيشجع المستثمرين الأجانب على التوسع في قطاعات جديدة.
أضاف هنو، أن أبرز القطاعات المستفيدة من المبادلات هي مواد البناء والصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية، باعتبارها قطاعات ترتبط مباشرة بحركة التجارة الخارجية وتستفيد من فتح أسواق جديدة نتيجة هذه الاتفاقيات.
وتابع:” مبادلات الديون خلقت نوعًا من الثقة المتبادلة بين الدول .. الأمر الذى ساعد على جذب رؤوس أموال أجنبية تبحث عن فرص فى السوق المصري”.
عبدالنبي: النجاح مرهون بوضوح آليات التطبيق وثبات السياسات الاقتصادية
وقال أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة “مباشر كابيتال”، إن مبادلة الديون بالاستثمارات تمثل أداة مهمة لتخفيف أعباء الدين على الموازنة العامة للدولة، إلى جانب كونها وسيلة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة إلى للسوق المصري.
وأوضح أن المستثمرين الأجانب سيدرسون الدخول في مثل هذه الصفقات إذا كانت تحقق لهم عائدًا اقتصاديًا جيدًا، إذ إن تحقيق الربحية يظل العامل الأساسي الذي يحدد قرار المستثمر في المشاركة بهذه المبادلات من عدمه.
أضاف عبدالنبي، أن تسعير الديون في مثل هذه الصفقات يتم وفقًا لطبيعة ونوعية الاستثمارات المستهدفة، موضحًا أن هذه المبادرات تظل عامة من حيث المبدأ، بينما لكل قطاع محدداته الخاصة، ولكل استثمار آلياته التي يجب مراعاتها عند التطبيق لضمان النجاح.
وأشار إلى أن التأثير المتوقع لهذه المبادرات يتمثل في تقليص حجم الديون وتحسين نظرة التصنيف الائتماني لمصر حال تنفيذها على نطاق واسع، لكنها تتوقف على كيفية التطبيق وحجم المبادلات والقطاعات المستهدفة.
وأكد عبدالنبي، أهمية أن تفتح هذه المبادرات الباب أمام شراكات بين القطاع الخاص المصري والمستثمرين الأجانب، مشددًا على ضرورة أن تكون هناك آليات واضحة للتطبيق وثبات في السياسات الاقتصادية، بما يمكن المستثمرين من إعداد دراسات الجدوى واتخاذ قرارات الاستثمار بشكل مدروس.
نجلة: المبادلة تخفض المخاطر الاستثمارية وتدعم التصنيف الائتماني لمصر
وقال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت فى شركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، إن تجربة مبادلة الديون بالاستثمارات ليست جديدة على السوق المصرية، مشيرًا إلى أنها شبيهة بمشروع رأس الحكمة، عندما تم تحويل جزء من الودائع الإماراتية لدى البنك المركزي إلى استثمارات ضمن هذه الصفقة.
وأوضح نجلة أن جميع القطاعات في مصر جاذبة لمثل هذه المبادلات، إذ يمكن تنفيذ هذه الآلية عبر دخول مستثمر أجنبي لشراء حصة في بنك أو شركة مقابل ديون قائمة، مؤكدًا أن المستثمرين الأجانب لديهم شهية للدخول في مثل هذه الصفقات، خاصة في ظل التحول الاستراتيجي الذي تتبناه الدول المانحة، وعلى رأسها دول الخليج، لتحويل الديون إلى استثمارات بدلًا من تقديم التمويلات في صورة نقدية مباشرة.
وأضاف نجلة، أن تحديد القيمة العادلة وتسعير الديون في هذه المبادلات يتم بناءً على قيمة الاستثمار المستهدف، ويتم تحديد قيمة الصفقة أولًا، ثم تتم دراسة كيفية تنفيذ المبادلة بشكل عادل يحقق مصالح الطرفين.
وأشار إلى أن تحويل الديون لاستثمارات من شأنه تحسين التصنيف الائتماني لمصر بشكل سريع، لافتًا إلى أن تراجع حجم الديون يسهم في خفض المخاطر الاستثمارية التي يشهدها المستثمر الأجنبى في السوق المصري.
وأكد نجلة، أن هذه الخطوة تمثل ضرورة ملحة يرغب فيها المستثمر الأجنبى والحكومة المصرية على حد سواء، لما لها من أثر إيجابي في جذب الاستثمارات وتحقيق الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل.