رواد أعمال ليبيون يحوّلون التحديات إلى نجاحات رقمية

يُعدّ تأسيس شركة تقنية ناشئة تحدياً عالمياً، فالعثور على الفكرة المناسبة، وتأمين التمويل، وتحقيق إيرادات كافية لضمان الاستمرار، هي عقبات تواجه رواد الأعمال في مختلف أنحاء العالم.
لكن في ليبيا، تتضاعف هذه الصعوبات نتيجة استمرار تداعيات الصراع، وضعف البنية المؤسسية، والقيود المفروضة على البنية التحتية المالية، ما يجعل طريق النجاح أكثر تعقيداً، بحسب تقرير نشره موقع AGBI.
فعلى مدى أكثر من عقد من الاضطرابات، انقسمت البلاد بين إدارتين متنافستين، وتراجعت قوة مؤسسات الدولة، واضطر الآلاف إلى النزوح. ورغم حالة السلام الهشة التي تعيشها ليبيا حالياً، لا يزال اقتصادها يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط والغاز، التي تمثل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، نجح بعض رواد الأعمال في تأسيس شركات تلبي احتياجات السوق المحلية؛ فالمستهلك الليبي لا يزال يبحث عن خدمات مثل توصيل الطعام، والتسوق عبر الإنترنت، واستخدام تطبيقات سيارات الأجرة، وهي احتياجات تلبيها منصات رقمية ناشئة.
ومن بين هذه الشركات «مَتاع» (Mataa)، وهي منصة تجارة إلكترونية مقرها طرابلس أسسها إبراهيم شُويهدي. وقد تمكنت الشركة أخيراً من جذب استثمار غير معلن من مجموعة من المستثمرين الملائكيين المحليين، وهو إنجاز نادر في بيئة تقنية ناشئة تعاني ضعف التمويل.
لكن الحصول على التمويل يبقى التحدي الأكبر. وقال شُويهدي: «نحن حالة استثنائية هنا»، في إشارة إلى محدودية الفرص المتاحة للشركات الناشئة.
ورغم توسع بعض البنوك مثل «المصرف العربي للتجارة والاستثمار الخارجي» في خدمات التمويل الأصغر، فإن الشروط المعقدة تعيق الاستفادة منها، إذ تشترط البنوك ضمانات تعادل 100% من قيمة القرض، وغالباً ما تكون في صورة عقار، وهو ما يصعب توفره للشركات الرقمية.
وأكد الخبير في تنمية القطاع الخاص، محمد المجبري: «لا أحد يقبل نطاقاً أو تطبيقاً أو موقعاً إلكترونياً كضمان».
كما توجد خيارات بديلة مثل نظام الكفلاء، لكن البنوك تميل غالباً إلى قبول الكفلاء من ذوي الوظائف الحكومية المستقرة، ما يحد من وصول رواد الأعمال إلى هذا الخيار.
يمثل توظيف الكفاءات عقبة أخرى؛ فالكثير من المبرمجين والمهندسين الليبيين يفضلون العمل عن بُعد مع شركات أجنبية مقابل رواتب أعلى بكثير، ما يترك الشركات الناشئة المحلية بموارد بشرية محدودة.
وأشار شُويهدي إلى أن شركة «مَتاع» تجاوزت هذه العقبة عبر تدريب شباب محليين تحت إشراف مدير تقني متمرس، موضحاً: «الفريق الذي بنى برمجياتنا بالكامل مكون من متدربين، بإدارة مدير تقني يقودهم». وتعتزم الشركة استثمار التمويل الأخير في توسيع قدراتها بمجالي التخزين وتنفيذ الطلبات.
أما العقبات التنظيمية فهي لا تقل تعقيداً؛ فلتسجيل شركة رسمياً في ليبيا، يجب أن يتوافر لها عنوان فعلي، وهو شرط يعيق الشركات الرقمية. ورغم أن هذا الشرط قد يحميها أحياناً من الممارسات الضريبية غير الواضحة، إذ يتم تقدير الإيرادات والأرباح دون مراجعة دقيقة للمستندات، فإنه يشكل عائقاً كبيراً عند التوسع أو محاولة جذب استثمارات خارجية. وأضاف المجبري: «غياب السجلات الرسمية يلاحق الشركات الناشئة».
ورغم كل هذه التحديات، حققت ليبيا قصص نجاح ملهمة، أبرزها تطبيق «بريستو» (Presto) لخدمات التوصيل عند الطلب، سواء للطعام أو المواد التموينية، الذي يعد من أنجح الشركات الناشئة في البلاد.
وأوضح المجبري: «أعتقد أن السر في العلاقات القوية بين مؤسسي الشركة والمستثمرين، فقد وثق الناس بهم».
وقد توسعت «بريستو» ليضم فريقها أكثر من 26 ألف سائق، مع خطط للتوسع نحو السوق التونسية المجاورة.