هل الهدنة وسيلة للتفاوض أم ضرورة لإنقاذ الوطن؟

أمد/ بين مبادرات التهدئة المتكررة وتدهور الأوضاع الإنسانية الكارثية في غزة، تبرز مماطلة حركة حماس في التعاطي الجاد مع مقترحات وقف إطلاق النار بوصفها سلوكًا يستحق التوقف والتحليل. فما يجري ليس مجرد تحفظ سياسي أو نقاش فني على بنود تفاوضية، بل نهج متكرر في إدارة الوقت على حساب الدم الفلسطيني النازف.
منذ بدء العدوان، قُدمت عدة صيغ متدرجة للهدنة، كان يمكن البناء عليها لتقليل حجم الكارثة الإنسانية، أو على الأقل تجميد آلة القتل مؤقتًا. لكن حماس اختارت تكرار نهج الردود المائعة، عبر تصريحات متضاربة، وملاحظات مؤجلة، ومواقف ضبابية، ما منح الاحتلال فسحة زمنية إضافية لتعميق جرائمه بحق المدنيين والبنية التحتية.
اللافت أن هذا النهج لم يكن مرتبطًا بمتغيرات ميدانية بقدر ما كان تعبيرًا عن حسابات سياسية بحتة، تتجاهل حقيقة أن المعركة لم تعد تدور في ميدان الصراع العسكري، بل في عمق الوجع الإنساني للناس الذين يُذبحون ببطء وتُدفن عائلات بأكملها تحت الركام.
إن الحنكة السياسية لا تقاس بمدى التشدد في الردود، بل بمدى القدرة على قراءة اللحظة الوطنية والإنسانية، واتخاذ قرارات تنقذ الأرواح وتحمي ما تبقى من مقومات المجتمع. أما الإصرار على تأجيل الهدنة وكأنها ورقة ضغط، فهو في الواقع تفريط خطير يُفقد أي مشروع سياسي أو مقاوم شرعيته الأخلاقية والإنسانية.
لا يمكن تبرير هذا التراخي أمام المجازر تحت أي شعار، سواء وطني أو عقائدي. وإذا لم يكن الشعب هو بوصلة القرار، فإن كل خطاب يصدر باسم “المقاومة” أو “الثبات” يصبح غطاءً مهترئًا لمأساة كبرى تُدار ببرود فاضح.
ما يجري في غزة ليس معركة حدود أو نفوذ، بل اختبار للمعنى الحقيقي للقيادة والمسؤولية. وإن لم يكن في القلب من كل قرار سياسي حياة الناس، فذلك كيان مشوّه، عاجز عن تمثيل أي مشروع وطني سليم.
إن إنقاذ غزة لم يعد ترفًا سياسيًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا عاجلًا. والمطلوب ليس انتصارًا في الميدان، بل انتصار للضمير والإنسان.