الخوف في تل أبيب والثقة في طهران: هل تلاشى التفوق الإسرائيلي؟

الخوف في تل أبيب والثقة في طهران: هل تلاشى التفوق الإسرائيلي؟

أمد/ في ليلة لم تشهدها إسرائيل منذ عقود، علت صفارات الإنذار في قلب تل أبيب، وتحوّلت المدينة التي طالما افتخرت بـ”حصانتها الحديدية” إلى ساحة قلق حقيقية. صواريخ إيرانية – بعضها من طراز بعيد المدى – اخترقت السماء المحصنة، رغم تقنيات الاعتراض، وترك بعضها آثارًا مادية ونفسية لن تُمحى بسهولة.

في المقابل، ظهر المشهد من طهران مغايرًا تمامًا: هادئ، واثق، بل محمّل برسائل سياسية وعسكرية موجعة. طهران لا تخشى التصعيد، وتبدو كمن قرر كسر قواعد الاشتباك التاريخية، ونقل المعركة من ساحات الوكلاء إلى ملعب اللاعبين الكبار.

الهجوم الأخير لم يكن فقط صاروخيًا، بل رمزيًا. لقد وجّه ضربة مباشرة إلى صورة إسرائيل كقوة إقليمية لا تُمس، وأجبرها – لأول مرة – على التفكير في ردّ لا يجرّها إلى حرب شاملة، ولا يظهرها ضعيفة في نظر خصومها وشعبها.

فهل كان هذا الهجوم الإيراني نهاية حقبة التفوق الإسرائيلي المطلق في المنطقة؟

وهل انكشفت “هالة القوة” أمام تحديات الجغرافيا السياسية والصواريخ الذكية؟

أم أن إسرائيل ستنجح في ترميم صورتها سريعًا، كما فعلت في جولات سابقة؟

الأسئلة باتت أصعب، والخوف بات أكثر وضوحًا… ليس في الجنوب، بل في قلب تل أبيب.

الجبهة الداخلية: خوف صامت… وغضب يتصاعد

رغم نجاح المؤسسة الأمنية في احتواء الجزء الأكبر من الهجوم، فإن الجبهة التي يصعب احتواؤها الآن هي الجبهة الداخلية. في الأيام التي تلت سقوط الصواريخ الإيرانية على مناطق في وسط إسرائيل، بدا الشارع الإسرائيلي كمن تلقّى صفعة غير متوقعة. ليست من غزة، ولا من لبنان، بل من دولة تُعتبر خصمًا بعيدًا، كان يُفترض أن تُردع لا أن تُبادِر.

في تل أبيب، المشهد كان مختلفًا.

صفارات، ركض نحو الملاجئ، أطفال يرتعدون، ووجوه مذهولة تسأل: “أين تفوّقنا الجوي؟ أين ردعنا؟ كيف أصبحنا في مرمى إيران؟”

الإعلام العبري بدوره لم يلتزم كعادته بموقف موحّد؛ فبين القنوات التي روجت لنجاح “القبة الحديدية”، برزت تحليلات قاسية تحمّل الحكومة مسؤولية التراخي السياسي والاستراتيجي، وتصف ما جرى بـ”زلزال الوعي”.

أما في وسائل التواصل، فالصورة أكثر توترًا: مقاطع مصورة لانفجارات، وصرخات في الملاجئ، وانتقادات غاضبة تسأل:

“هل أصبحنا جبهة مثل سديروت؟”

سياسيًا، بدأ نواب المعارضة في الكنيست باستغلال اللحظة، مهاجمين رئيس الحكومة على “إضعاف الردع الإسرائيلي”، فيما حاولت الحكومة بثّ خطاب تعبوي، وصف الهجوم بأنه “إخفاق إيراني لا إنجاز”، لكن الشارع لم يبتلع الرواية الرسمية بسهولة.

الضربة الإيرانية: كسر لحاجز الرمزية لا فقط للحديد لم يكن الهدف من الصواريخ الإيرانية هو قتل أكبر عدد من المدنيين، ولا تدمير بنية تحتية عسكرية بعينها – بل شيء أعمق: ضرب الثقة، وكسر الرمزية. في دولة بُنيت عقيدتها الأمنية على أساس التفوق، والمبادرة، والسيطرة الجوية المطلقة، فإن مجرد إطلاق عشرات الصواريخ دفعة واحدة من دولة بحجم إيران، وبشكل علني، هو زلزال استراتيجي.

الرسالة كانت واضحة: لسنا فقط قادرين على الرد، بل مستعدون لفعل ذلك علنًا، وفي وقت تختاره طهران لا تل أبيب”.

هذه ليست مجرد مواجهة صاروخية، بل تغيير في ميزان الجرأة. ففي الوقت الذي كانت إسرائيل تحاول إدارة الحرب في غزة، واحتواء حزب الله شمالًا، فاجأتها طهران برسالة قوامها: “أنتم لم تعودوا وحدكم من يملك قرار النار.”

إسرائيل والصدمة الوجودية: بين الرد والردع

صحيح أن منظومات الدفاع الجوي – المدعومة أمريكيًا – أثبتت فاعليتها التكتيكية، لكن الحقيقة الأكثر إزعاجًا تكمن في أن الخوف عاد إلى الشارع الإسرائيلي، ليس خوفًا من الصاروخ بحد ذاته، بل من اللحظة التي يُصبح فيها الرد الإسرائيلي بلا تأثير، أو مقيدًا سياسيًا.

الأسئلة التي تدور في الغرف المغلقة ليست فقط “ماذا نرد؟” بل:كيف نرد دون تفجير الإقليم؟ كيف نرد دون إظهار الضعف؟

والأهم: هل الرد سيفيد أصلاً، إن كانت صورة إسرائيل قد تلقت الضربة بالفعل؟

القلق في إسرائيل اليوم ليس على ما جرى، بل على ما قد يجري إن قررت إيران أو أحد حلفائها أن يكرر هذا السيناريو، وربما بتكتيكات مختلفة.

حتى داخل الجيش، ظهرت إشارات خفية على توتر داخلي؛ كبار الضباط يدافعون عن فاعلية الدفاعات الجوية، لكن يتجنبون الحديث عن خطورة المرحلة المقبلة. فالجميع يعلم: ما حدث لم يكن نهاية، بل بداية فصل جديد، لا يشبه الحروب الماضية.